الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

{ وَجآءَتْ سَيَّارَةٌ } ، وهم القوم المسافرون، سُمّوا سيارة لأنهم يسيرون في الأرض، كانت رفقة من مدين تريد مصر، فأخطأوا الطريق فنزلوا قريباً من الجب، وكان الجب في [قفرٍ بعيدٍ] من العمران للرعاة والمارة، وكان ماؤه مالحاً فعذب حين ألقي يوسف عليه السلام فيه، فلما نزلوا أرسلوا رجلاً من أهل مدين يقال له مالك بن ذعر، لطلب الماء فذلك قوله عزّ وجلّ: { فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ } والوارد الذي يتقدم الرفقة إلى الماء فيهيىء الأرشية والدلاء. { فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ } ، أي: أرسلها في البئر، يقال: أدليتُ الدلو إذا أرسلتها في البئر، ودلوتها إذا أخرجتها، فتعلق يوسف بالحبل فلما خرج إذا هو بغلام أحسن ما يكون. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أُعطيَ يوسفُ شطر الحُسْن " ويقال: إنه ورث ذلك الجمال من جدته سارة، وكانت قد أُعطيت سُدسَ الحُسنِ. قال ابن إسحاق ذهب يوسف وأمه بثلثي الحسن. فلما رآه مالك بن ذعر، { قَالَ يَٰبُشْرَىٰ } ، قرأ الأكثرون هكذا بالألف وفتح الياء، بشّر المستقي أصحابه يقول: أبشروا. وقرأ أهل الكوفة: يابشرى، بغير إضافة، يريد نادى المستقي رجلاً من أصحابه اسمه بشرى. { هَـٰذَا غُلاَمٌ } وروى ابن مجاهد عن أبيه: أن جدران البئر كانت تبكي على يوسف حين أخرج منها. { وَأَسَرُّوهُ } ، أَخْفَوْهُ، { بِضَـٰعَةً } ، قال مجاهد: أسره مالك بن ذعر وأصحابه من التجار الذين معهم وقالوا هو بضاعة استبضعها بعض أهل الماء إلى مصر خيفة أن يطلبوا منهم فيه المشاركة. وقيل: أراد أن إخوة يوسف أسروا شأن يوسف وقالوا هو عبد لنا أبِقَ. قال الله تعالى: { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } ، فأتى يهوذا يوسفَ بالطعام فلم يجده في البئر، فأخبر بذلك إخوته، فطلبوه فإذا هم بمالك وأصحابه نزولاً، فأتوهم فإذا هم بيوسف، فقالوا هذا عبد آبق منّا. ويقال: إنهم هدّدوا يوسف حتى لم يعرف حاله. وقال مثل قولهم، ثم باعوه.