الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }

{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } أراد فتح مكة. وكانت قصته - على ما ذكر محمد بن إسحاق وأصحاب الأخبار - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صالح قريشاً عام الحديبية، واصطلحوا على وضع الحرب بين الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض، وأنه من أحب أن يدخل في عَقْد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عَقْد قريش وعهدهم دخل فيه، فدخلت بنو بكر في عقد قريش، ودخلت خُزَاعَةُ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بينهما شرٌّ قديم. ثم إن بني بكر عَدَتْ على خزاعة، وهم على ماء لهم بأسفل مكة، يقال له " الوَتِير " ، فخرج نوفل بن معاوية الدؤلي في بني الدّئل من بني بكر حتى بيَّت خزاعة، وليس كلُّ بكرٍ تابعه فأصابوا منهم رجلاً وتحاربوا واقتتلوا، ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل مستخفياً بالليل، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم وكان ممن أعان بني بكر من قريش على خزاعة ليلتئذ بأنفسهم متنكرين: صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، مع عبيدهم فلما انتهوا إلى الحرم قالت بنو بكر: يا نوفل إنا دخلنا الحرم إلَهك إلَهك فقال كلمة عظيمة: إنه لا إله لي اليوم، يا بني بكر أصيبوا ثأركم فيه. فلما تظاهرت قريش على خزاعة وأصابوا منهم ونقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد بما استحلوا من خزاعة - وكانوا في عقده - خرج عمرو بنُ سالم الخزاعيُّ حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، وكان ذلك مما هاج فتح مكَّة، فوقف عليه وهو في المسجد جالس بين ظَهْراني الناس، فقال:
لاهم إنِّي ناشِدٌ محمَّدَا   حِلْفَ أبينا وأبيهِ الأتْلَدَا
إنَ قريشاً أَخلَفُوكَ المَوْعِدَا   ونقضُوا مِيثاقَك المؤكَّدا
الأبيات كما ذكرنا في سورة التوبة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد نُصِرْتَ يا عمرو بن سالم " ، ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء، فقال: " إن هذه السحابةَ لتستهلُّ بِنَصْرِ بني كعبٍ " ، وهم رهط عمرو بن سالم. ثم خرج بُدَيْلُ بن وَرْقَاء في نفرٍ من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما أصيب منهم وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم، ثم انصرفوا راجعين إلى مكة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس: كأنكم بأبي سفيان قد جاء لِيَشُدَّ العَقْدَ ويزيد في المدة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8