الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } * { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } * { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ }

قوله: { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } عذابُنا، { جَعَلْنَا عَـٰلِيَهَا سَافِلَهَا } ، وذلك أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت قرى قوم لوط المؤتفكات وهي خمس مدائن، وفيها أربعمائة ألف. وقيل: أربعة آلاف ألف، فرفع المدائن كلها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة، ونباح الكلاب، فلم يُكفأ لهم إناءٌ ولم ينتبه نائمٌ، ثم قَلَبها فجعل عاليها سافلها. { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا } ، أي على شذاذها ومسافريها. وقيل: بعدما قلبها أمطر عليها، { حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير: سنك وكل فارسي معرب. وقال قتادة وعكرمة: السجيل الطين، دليله قوله عزّ وجلّ:لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } [الذاريات: 33]. قال مجاهد: أولها حجر وأخرها طين. وقال الحسن: كان أصل الحجارة طيناً فشددت. وقال الضحاك: يعني الآجر. وقيل: السجيل اسم السماء الدنيا. وقيل: هو جبال في السماء، قال الله تعالى:وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } [النور: 43]. قوله تعالى: { مَّنْضُودٍ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: متتابع، يتبع بعضها بعضاً، مفعول من النضد، وهو وضع الشيء بعضه فوق بعض. { مُسَوَّمَةً } ، من نعت الحجارة، وهي نصب على الحال، ومعناها معلمة: قال ابن جريج: عليها سيما لاتُشَاكِلُ حجارة الأرض. وقال قتادة وعكرمة: عليها خطوط حمر على هيئة الجزع. وقال الحسن والسدي: كانت مختومة عليها أمثال الخواتيم. وقيل: مكتوب على كل حجر اسم من رمى به. { عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِىَ } ، يعني: تلك الحجارة، { مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } ، أي: من مشركي مكة، { بِبَعِيدٍ } ، وقال قتادة وعكرمة: يعني ظالمي هذه الأمة، واللّهِ ما أجار اللّهُ منها ظالماً بعدُ. وفي بعض الآثار: «مَا مِنْ ظالمٍ إلاّ وهو بعرضِ حجرٍ يسقط عليه من ساعة إلى ساعة». ورُوي: أن الحجر اتّبع شذاذهم ومسافريهم أين كانوا في البلاد، ودخل رجل منهم الحرم فكان الحجر معلقاً في السماء أربعين يوماً حتى خرج فأصابه فأهلكه. قوله عزّ وجلّ: { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ } ، أي: وأرسلنا إلى ولد مدين، { أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ } ، أي: لا تبخسوا، وهم كانوا يُطفّفون مع شِرْكهم، { إِنِّىۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ } ، قال ابن عباس: موسرين في نعمة. وقال مجاهد: في خصب وسعة، فحذّرهم زوال النعمة، وغلاء السعر، وحلول النقمة، إن لم يتوبوا. فقال: { وَإِنِّىۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } ، يحيط بكم فيهلككم.