الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } * { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } * { قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }

{ قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ } ، يالوط، { مَا لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ } ، أي: لسن أزواجاً لنا فنستحقهن بالنكاح. وقيل: معناه مَالَنا فيهنّ من حاجة وشهوة. { وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } ، من إتيان الرجال. { قَالَ } ، لهم لوط عند ذلك: { لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً } ، أراد قوة البدن، أو القوة بالأتباع، { أَوْ ءَاوِىۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } ، أي: انضم إلى عشيرةٍ مانعة. وجواب «لو» مضمر أي لقاتلناكم وحُلْنا بينكم وبينهم قال أبو هريرة: ما بعث الله بعده نبياً إلا في منعة من عشيرته. أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، أنبأنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب بن أبي حمزة، أنبأنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: " يغفرُ اللَّهُ للوطٍ إنْ كانَ لَيأوي إلى رُكنٍ شديدٍ " قال ابن عباس وأهل التفسير: أغلق لوط بابه والملائكة معه في الدار، وهو يناظرهم ويناشدهم من وراء الباب، وهم يعالجون تسوّرَ الجدار، فلما رأتِ الملائكة ما يلقى لوطٌ بسببهم: { قَالُواْ يَٰلُوطُ } ، إن رُكنك لشديد، { إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ } ، فافتح الباب ودعنا وإيَّاهم، ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريل ربَّه عزّ وجلّ في عقوبتهم، فأذن له، فقام في الصورة التي يكون فيها فنشر جناحه وعليه وشاح من دُرٍّ منظوم، وهو بَرَّاق الثنايا، أجلَى الجبين، ورأسه حُبُك مثل المرجان، كأنه الثلج بياضاً وقدماه إلى الخضرة، فضرب بجناحه وجوههم فطمس أعينهم وأعماهم، فصاروا لا يعرفون الطريق ولايهتدون إلى بيوتهم فانصرفوا وهم يقولون: النجاء النجاء، فإن في بيت لوط أسحر قوم في الأرض سحرونا، وجعلوا يقولون: يالوط كما أنت حتى تصبح فسترى ما تلقى منّا غداً، يُوعِدُونه، فقال لوط للملائكة: متى موعد إهلاكهم؟ فقالوا: الصبح، قال: أريد أسرع من ذلك فلو أهلكتموهم الآن، فقالوا: { أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }؟ ثم قالوا، { فَأَسْرِ } ، يا لوط، { بِأَهْلِكَ }. قرأ أهل الحجاز: «فاسْرِ وأنِ اسْرِ» بوصل الألف حيث وقع في القرآن من سرى يسري، وقرأ الباقون بقطع الألف من أسرى يسري، ومعناهما واحد وهو المسير بالليل. { بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ } ، قال ابن عباس: بطائفة من الليل. وقال الضحاك: ببقية. وقال قتادة: بعد مُضِيِّ أوله وقيل: إنه السحر الأول. { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ } ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو: «امرأتُك» برفع التاء على الاستثناء من الالتفات، أي: لا يلتفت منكم أحدٌ إلا امرأتُك فإنها تلتفت فتهلك، وكان لوط قد أخرجها معه، ونهى من تبعه، ممن أسرى بهم أن يلتفت، سوى زوجته، فإنها لما سمعت هدة العذاب التفتت، وقالت: يا قوماه، فأدركها حجر فقتلها. وقرأ الآخرون: بنصب التاء على استثناء من الإِسراء، أي: فأسر بأهلك إلا امرأتك فلا تَسْر بِهَا وخلِّفْها مع قومها، فإنّ هَوَاهَا إليهم، وتصديقُه قراءة ابن مسعود: «فأسْر بأهلك بقطع من الليل إلاّ امرأتك ولا يلتفتْ منكم أحد». { إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ } ، من العذاب، { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ } ، أي: موعد هلاكهم وقت الصبح، فقال لوط: أريد أسرع من ذلك، فقالوا: { أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }.