الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ } * { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ } * { يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ } * { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ }

{ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ } ، الخوف، { وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ } ، بإسحاق ويعقوب، { يُجَـٰدِلُنَا فِى قَوْمِ لُوطٍ } ، فيه إضمار، أي: أخذ وظل يجادلنا. قيل: معناه يكلمنا لأن إبراهيم عليه السلام لايجادل ربَّه عزّ وجلّ إنما يسأله ويطلب إليه. وقال عامة أهل التفسير: معناه يجادل رسلنا، وكانت مجادلته أنه قال للملائكة: أرأيتم لو كان في مدائن لوط خمسون من المؤمنين أتهلكونهم؟ قالوا: لا، قال: أو أربعون؟ قالوا: لا، قال: أو ثلاثون؟ قالوا: لا، حتى بلغ خمسةً، قالوا: لا، قال: أرأيتُم إن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها؟ قالوا: لا، قال لهم إبراهيم عليه السلام عند ذلك: إن فيها لوطاً، قالوا: نحن أعلم بمن فيها، لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين. { إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ } ، قال ابن جريج: وكان في قرى قوم لوط أربعة آلاف ألف، فقالت الرسل عند ذلك لإِبراهيم. { يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ } ، أي: أعرض عن هذا المقال ودعْ عنك الجدال، { إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ } ، أي، عذاب ربّك وحكم ربّك، { وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ } ، نازل بهم، { عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ } ، أي: غير مصروف عنهم. قوله تعالى: { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا } ، يعني: هؤلاء الملائكة، { لُوطاً } ، على صورة غلمان مرد حسان الوجوه، { سِىۤءَ بِهِمْ } ، أي: حزن لوط بمجيئهم، يقال: سؤته فسيء، كما يقال: سررته فسر. { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } ، أي: قلباً. يقال: ضاق ذرع فلان بكذا: إذا وقع في مكروه لا يطيق الخروج منه، وذلك أن لوطاً عليه السلام لما نظر إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم أشفق عليهم من قومه أن يقصدوهم بالفاحشة، وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عنهم. { وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } ، أي: شديد كأنه عصب به الشر والبلاء، أي: شدَّ. قال قتادة والسدي: خرجت الملائكة من عند إبراهيم عليه السلام نحو قرية قوم لوط فأتوا لوطاً نصف النهار، وهو في أرض له يعمل فيها. وقيل: إنه كان يحتطب. وقد قال الله تعالى لهم: لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات، فاستضافوه فانطلق بهم، فلما مشى ساعة قال لهم: ما بلغكم أمر أهل هذه القرية؟ قالوا: وما أمرهم؟ قال: أشهد بالله إنها لشرُّ قرية في الأرض عملاً. يقول ذلك أربع مرات، فدخلوا معه منزله. ورُوي: أنه حمل الحطب وتبعته الملائكة فمرّ على جماعة من قومه فغمزوا فيما بينهم، فقال لوط: إن قومي شر خلق الله، ثم مرّ على قوم آخرين، فغمزوا، فقال مثله، ثم مرّ بقومٍ آخرين فقال مثله، فكان كلما قال لوط هذا القول قال جبريل للملائكة: اشهدوا، حتى أتى منزله. ورُوي: أن الملائكة جاؤوا إلى بيت لوط فوجدوه في داره ولم يعلم بذلك أحد إلاّ أهل بيت لوط، فخرجت امرأته فأخبرت قومها، وقالت: إن في بيت لوط رجالاً ما رأيتُ مثل وجوههم قط.