الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } * { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ } * { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ }

قوله تعالى: { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَـٰلِحاً وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } ، بنعمة منّا، { وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذٍ } ، أي: من عذابه وهوانه، قرأ أبو جعفر ونافع والكسائي: «خزي يومَئذ» و «عذاب يومَئذ»، بفتح الميم. وقرأ الباقون بالكسر. { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِىُّ ٱلْعَزِيزُ }. { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } ، كفروا، { ٱلصَّيْحَةُ } ، وذلك أنّ جبريل عليه السلام صاح صيحة واحدة فهلكوا جميعاً. وقيل: أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء في الأرض، فتقطعت قلوبهم في صدورهم. وإنما قال: «وأخذ» الصيحةُ مؤنثة، لأن الصيحة بمعنى الصياح. { فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جَـٰثِمِينَ } ، صَرْعَى هلكَى. { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } ، يقيموا ويكونوا فيها { أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ } ، قرأ حمزة وحفص ويعقوب: «ثمودَ» غير منون، وكذلك في سورة الفرقان والعنكبوت والنجم، ووافق أبو بكر في النجم، وقرأ الباقون بالتنوين، وقرأ الكسائي: «لثمودٍ» بخفض الدال والتنوين، والباقون بنصب الدال، فمن جرّه فلأنه اسم مذكر، ومن لم يجرّه جعله اسماً للقبيلة. قوله تعالى: { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَٰهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ } ، أراد بالرسل الملائكة. واختلفوا في عددهم، فقال ابن عباس وعطاء: كانوا ثلاثة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل. وقال الضحاك: كانوا تسعة. وقال مقاتل: كانوا اثنى عشر مَلَكاً. وقال محمد بن كعب: كان جبريل ومعه سبعة. وقال السدي: كانوا أحد عشر مَلَكاً على صورة الغلمان الوضاء وجوههم. { بِٱلْبُـشْرَىٰ } بالبشارة بإسحاق ويعقوب. وقيل: بإهلاك قوم لوط. { قَالُواْ سَلَـٰماً } ، أي: سلّمُوا سلاماً، { قَالَ } إبراهيم { سَلَـٰمٌ } ، أي عليكم سلام: وقيل: هو رفع على الحكاية، كقوله تعالى:وَقُولُواْ حِطَّةٌ } [البقرة:85 والأعراف:161]، وقرأ حمزة والكسائي «سِلْم» هاهنا وفي سورة الذاريات بكسر السين بلا ألف. قيل: هو بمعنى السلام. كما يقال: حِل وحَلال، وحِرم وحَرام. وقيل: هو بمعنى الصلح، أي: نحن سلم أي صلح لكم غير حرب. { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } ، والحنيذ والمحنوذ: هو المشوي على الحجارة في خَدٌّ من الأرض، وكان سميناً يسيل دسماً، كما قال في موضع آخر:فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } [الذاريات: 26]: قال قتادة: كان عامة مال إبراهيم البقر.