الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } * { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }

{ فَإِن تَوَلَّوْاْ } ، أي: تتولوا، يعني: تعرضوا عمّا دعوتُكم إليه، { فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّى قَوْماً غَيْرَكُمْ } ، أي: إن أعرضتم يهلككم الله عزّ وجلّ ويستبدل بكم قوماً غيركم أطوع منكم يوحّدُونه ويعبدونه، { وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً } ، بتوليكم وإعراضكم، إنما تضرون أنفسكم. وقيل: لاتنقصونه شيئاً إذا أهْلككم لأن وجودكم وعدمكم عنده سواء، { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } ، أي: لكل شيء حافظ، يحفظني من أن تنالوني بسوء. قوله تعالى: { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } ، عذابنا، { نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ } ، وكانوا أربعة آلاف. { بِرَحْمَةٍ } بنعمة { مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } ، وهو الريح التي أهلك بها عاداً، وقيل: العذاب الغليظ: عذاب يوم القيامة، أي: كما نجيناهم في الدنيا من العذاب كذلك نجيناهم في الآخرة. { وَتِلْكَ عَادٌ } ، رده إلى القبيلة، { جَحَدُواْ بِآيَـٰتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } ، يعني: هوداً وَحْدَهُ، وذكره بلفظ الجمع لأن من كّذْب رسولاً كان كمن كذب الرسل، { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } أي: واتبع السفلة والسقاط أهل التكبر والعناد، والجبار: المتكبر، والعنيد: الذي لايقبل الحق، يقال: عَنَدَ الرجلُ يعند عنوداً إذا أبى أن يقبل الشيء وإن عرفه. وقال أبو عبيدة: العنيد والعاند والعنود والمعاند: المعارض لك بالخلاف. { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً } ، أي: أُرْدِفُوا لعنة تلحقهم وتنصرف معهم، واللعنة: هي الإِبعاد والطَّرد عن الرحمة، { وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ، أي: وفي يوم القيامة أيضاً لعنوا كما لعنوا في الدنيا والآخرة، { أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ } ، أي: بربهم، يقال: كفرته وكفرت به، كما يقال: شكرتُه وشكرتُ له ونصحتُه ونصحتُ له. { أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } ، قيل: بعداً من رحمة الله. وقيل: هلاكاً. ولِلبُعْد معنيان: أحدهما ضد القرب، يقال منه: بَعُدَ يبعُدُ بُعْداً، والآخر: بمعنى الهلاك، يقال: منه بَعِدَ يبعِدُ بُعْداً وبَعُداً.