الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } * { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } * { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } * { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ }

قوله عزّ وجلّ: { فَلَوْلاَ } فهلا، { كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ } ، التي أهلكناهم، { مِن قَبْلِكُمْ } ، والآية للتوبيخ { أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ } ، أي: أولوا تمييز. وقيل: أولوا طاعة. وقيل: أولوا خير. يقال: فلان ذو بقية إذا كان فيه خير. معناه: فهلا كان من القرون من قبلكم من فيه خير ينهى عن الفساد في الأرض؟ وقيل: معناه أولوا بقية من خير. يقال: فلان على بقية من الخير إذا كان على خصلة محمودة. { يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِى ٱلأَرْضِ } ، أي: يقومون بالنهي عن الفساد، ومعناه جحد، أي: لم يكن فيهم أولوا بقية. { إِلاَّ قَلِيلاً } ، هذا استثناء منقطع معناه: لكن قليلاً، { مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ } ، وهم أتباع الأنبياء كانوا ينهون عن الفساد في الأرض. { وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ } ، نَعِمُوا، { فِيهِ } ، والمترَفُ: المُنَعم. وقال مقاتل بن حيان: خُوّلوا. وقال الفراء: عُودُوا من النعيم واللذات وإيثار الدنيا أي: واتبع الذين ظلموا ما عودوا من النعيم واللذات وإيثار الدنيا على الآخرة. { وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } ، كافرين. { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ } ، أي: لايهلكهم بشركهم، { وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } ، فيما بينهم يتعاطون الإِنصاف ولا يظلم بعضهم بعضاً، وإنما يهلكهم إذا تظالموا. وقيل: لا يهلكهم بظلم منه وهم مصلحون في أعمالهم، ولكن يهلكهم بكفرهم وركوبهم السيئات. قوله عزّ وجلّ: { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ } ، كلهم. { أُمَّةً وَاحِدَةً } ، على دين واحد. { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } على أديان شتى من بين يهودي، ونصراني، ومجوسي، ومشرك. { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } ، معناه: لكن من رحم ربك فهداهم إلى الحق، فهم لايختلفون، { وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ } ، قال الحسن وعطاء: وللاختلاف خلقهم. وقال أشهب: سألتُ مالكاً عن هذه الآية، فقال: خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير. وقال أبو عبيدة: الذي أختاره قول من قال: خلق فريقاً لرحمته وفريقاً لعذابه. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك: وللرحمة خلقهم، يعني الذين رحمهم. وقال الفراء: خلق أهل الرحمة للرحمة، وأهل الاختلاف للاختلاف. وحاصل الآية: أن أهل الباطل مختلفون، وأهل الحق متفقون، فخلق الله أهل الحق للاتفاق، وأهل الباطل للاختلاف. { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ } ، وتم حكم ربِّك، { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ }.