الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }

فقال: { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ } بأسماعِهم الظاهرة فلا ينفعهم، { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } ، يريد: سَمَعَ القلبِ، { وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ }. { وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ } ، بأبصارهم الظاهرة، { أَفَأَنْتَ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ } ، يريد عمي القلوب، { وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ } ، وهذا تسلية من الله عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه وسلم، يقول: إنك لا تقدر أن تُسمعَ من سلبتُه السمعَ، ولا أن تهديَ من سلبتُه البصرَ، ولا أن تُوفق للإِيمان من حكمتُ عليه أن لا يُؤمن. { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً } ، لأنه في جميع أفعاله مُتفضّل وعادل، { وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ، بالكفر والمعصية. قوله تعالى: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } ، قرأ حفص بالياء، والآخرون بالنون، { كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ } ، قال الضحاك: كأن لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من النهار. وقال ابن عباس: كأن لم يلبثوا في قبورهم إلاَّ قدر ساعة من النهار، { يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } ، يعرف بعضُهم بعضاً حين بعثوا من القبور كمعرفتهم في الدنيا، ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال القيامة. وفي بعض الآثار: أن الإِنسان يعرف يوم القيامة مَنْ بجنبه ولا يُكلمه هيبةً وخشية. { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } ، والمراد من الخسران: خسران النفس، ولا شيء أعظم منه.