الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، قال الفرَّاء: معناه: وما ينبغي لمثل هذا القرآن أنْ يُفتَرى من دون الله، كقوله تعالى:وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَغُلَّ } [آل عمران: 161] وقيل: «أنْ» بمعنى اللام، أي: وما كان هذا القرآنُ لِيُفترَى من دُونِ اللّهِ. قوله: { وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ } ، أي: بين يدي القرآن من التوراة والإِنجيل. وقيل: تصديق الذي بين يدي القرآن من القيامة والبعث، { وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ } ، تبيين ما في الكتاب من الحلال والحرام والفرائض والأحكام، { لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }. { أَمْ يَقُولُونَ } ، وقال أبو عبيدة: «أم» بمعنى الواو، أي: ويقولون، { ٱفْتَرَاهُ } ، اختلق محمد القرآن من قِبَلِ نفسه، { قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ } ، شبه القرآن { وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ } ، ممن تعبدون، { مِن دُونِ ٱللَّهِ } لِيُعِينُوكم على ذلك، { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ، أن محمداً افتراه، ثم قال: { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ } ، يعني: القرآن، كذبوا به ولم يحيطوا بعلمه، { وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } ، أي: عاقبة ما وعد اللّهُ في القرآن، أنه يؤول إليه أمرهم من العقوبة، يريد: أنهم لم يعلموا ما يؤول إليه عاقبة أمرهم. { كَذَلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، أي: كما كذب هؤلاء الكفار بالقرآن كذلك كذَّب الذين من قبلهم من كفار الأمم الخالية، { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } ، آخر أمر المشركين بالهلاك. { وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ } ، أي: من قومك من يؤمن بالقرآن، { وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ } ، لعلم الله السابق فيهم، { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ } ، الذين لا يُؤمنُون. { وَإِن كَذَّبُوكَ } ، يا محمد، { فَقُل لِّي عَمَلِى } ، وجزاؤه، { وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } ، وجزاؤه، { أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } ، هذا كقوله تعالى:لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } [القصص: 55]لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافرون: 6]. قال الكلبي ومقاتل: هذه الآية منسوخة بآية الجهاد. ثم أخبر أن التوفيق للإِيمان به لا بغيره.