الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } * { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }

{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ } ، يرشد، { إِلَى ٱلْحَقِّ } ، فإذا قالوا لا ــ ولا بدّ لهم من ذلك ــ { قُلِ ٱللَّهُ يَهْدِى لِلْحَقِّ } ، أي: إلى الحق. { أَفَمَن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيۤ } ، قرأ حمزة والكسائي: ساكنة الهاء، خفيفة الدال، وقرأ الآخرون: بتشديد الدال، ثم قرأ أبو جعفر، وقالون: بسكون الهاء، وأبو عمرو بِرَوْمِ الهاء بين الفتح والسكون، وقرأ حفص: بفتح الياء وكسر الهاء، وأبو بكر بكسرهما، والباقون بفتحهما، ومعناه: يهتدي ــ في جميعها ــ فمن خفَّف الدال، قال: يقال: هديته فهدي، أي: اهتدى، ومن شدّد الدالُ أدغم التاء في الدال، ثم أبو عمرو يروم على مذهبه في إيثار التخفيف، ومن سكَّن الهاء تركها على حالتها كما فعل في «تعدوا» و «يخصمون»، ومن فتح الهاء نقل فتحة التاء المدغمة إلى الهاء، ومن كسر الهاء فلالتقاء الساكنين، وقال الجزم يُحرّكُ إلى الكسر، ومن كسر الياء مع الهاء أتبع الكسرةَ الكسرة. قوله تعالى: { إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ } ، معنى الآية: الله الذي يهدي إلى الحق أحقُّ بالاتباع أمِ الصنم الذي لا يهتدي إلا أن يُهدَى؟. فإن قيل: كيف قال: { إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ } ، والصنم لا يتصور أن يهتدي ولا أن يُهدَى؟. قيل: معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال، أي: أنها لا تنتقل من مكان إلى مكان إلا أن تُحمل وتُنقل، يَتَبَيَّنُ به عجز الأصنام. وجواب آخر وهو: أن ذكر الهداية على وجه المجاز، وذلك أن المشركين لمّا اتخذوا الأصنام آلهةً وأنزلوها منزلة من يسمع ويعقل عبّر عنها بما يُعبّر عمن يعلم ويعقل، ووُصِفَتْ بصفة من يعقل. { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } ، كيف تقضون حين زعمتم أن لله شريكاً. قوله تعالى: { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا } ، منهم يقولون: إن الأصنام آلهة، وإنها تشفع لهم في الآخرة ظناً منهم، لم يَرِدْ بهِ كتابٌ ولا رسول، وأراد بالأكثر: جميع من يقول ذلك، { إَنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً } ، أي: لا يدفع عنهم من عذاب الله شيئاً. وقيل: لايقوم مقام العلم، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }.