الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } * { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } * { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

{ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا } ، أي: لهم مثها، كما قال:وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا } [الأنعام: 160]. { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } ، و«من» صلة، أي: ما لهم من الله عاصم، { كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ } ، ألبست، { وُجُوهُهُمْ قِطَعاً } ، جمع قطعة، { مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً } ، نصبت على الحال دون النعت، ولذلك لم يقل: مظلمة، تقديره: قِطَعاً من الليل في حال ظلمته، أو قطعاً من الليل المظلم. وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب: «قِطْعاً» ساكنة الطاء، أي بعضاً، كقوله:بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ } [هود: 81]. { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }. قوله تعالى: { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ } ، [أي: الزمُوا مكانَكم]، { أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } ، يعني: الأوثان، معناه: ثم نقول للذين أشركوا: الزمُوا أنتم وشركاؤكم مكانَكم، ولا تبرحوا. { فَزَيَّلْنَا } ميّزنا وفرّقنا { بَيْنَهُمْ } ، أي: بين المشركين وشركائهم، وقَطَعْنَا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا، وذلك حين يتبرأ كل معبودٍ من دون الله ممن عبده، { وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ } ، يعني: الأصنام، { مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } ، بطلبتنا فيقولون: بلى، كنا نعبدكم، فتقول الأصنام: { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } ، أي: ما كنا عن عبادتكم إيّانا إلا غافلين، ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل. قال الله تعالى: { هُنَالِكَ تَبْلُواْ } ، أي: تُختبر. وقيل: ومعناه تعلم وتقف عليه، وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب: «تتلو» بتاءين، أي: تقرأ، { كُلُّ نَفْسٍ } ، صحيفتَها. وقيل: معناه تتبع كل نفس، { مَّآ أَسْلَفَتْ } ، ما قدّمتْ من خير أو شر. وقيل: معناه تعاين، { وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } ، إلى حكمه فيتفرد فيهم بالحكم، { مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } ، الذي يتولى ويملك أمورهم: فإن قيل: أليس قد قال:وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } [محمد: 11]؟ قيل: المولى هناك بمعنى الناصر، وهاهنا بمعنى المالك، { وَضَلَّ عَنْهُمْ } ، زال عنهم وبطل، { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } ، في الدنيا من التكذيب.