قوله تعالى { لم يَكُنِ الّذِينَ كَفَروا مِنْ أهْلِ الكِتابِ والمُشْرِكينَ مُنفَكِّينَ } معناه لم يكن الذين كفروا من اليهود والنصارى الذين هم أهل الكتاب، ولم يكن المشركون الذين هم عبدة الأوثان من العرب، وغيرهم الذين ليس لهم كتاب.. " منفكين " فيه أربعة تأويلات: أحدها: لم يكونوا منتهين عن الشرك { حتى تأتيهم البَيِّنَةُ } حتى يتبين لهم الحق. وهذا قول ثان: لم يزالوا مقيمين على الشرك والريبة حتى تأتيهم البينة، يعنى الرسل، قاله الربيع. الثالث: لم يفترقوا ولم يختلفوا أن الله سيبعث إليهم رسولاً حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وتفرقوا، فمنهم من آمن بربه، ومنهم من كفر، قاله ابن عيسى. الرابع: لم يكونوا ليتركوا منفكين من حجج الله تعالى، حتى تأتيهم البينة التي تقوم بها عليهم الحجة، قال امرؤ القيس:
إذا قُلْتُ أَنْفَكَّ مِن حُبّها
أبى عالقُ الحُبِّ إلا لُزوما
وفي " البيّنة " ها هنا ثلاثة أوجه: أحدها: القرآن، قاله قتادة. الثاني: الرسول الذي بانت فيه دلائل النبوة. الثالث: بيان الحق وظهور الحجج. وفي قراءة أبيّ بن كعب: ما كان الذي كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين، وفي قراءة ابن مسعود: لم يكن المشركون وأهل الكتاب منفكين. { رسولٌ مِن الله } يعني محمداً. { يَتْلُواْ صُحُفاً مُطَهّرَةً } يعني القرآن. ويحتمل ثانياً: يتعقب بنبوته نزول الصحف المطهرة على الأنبياء قبله. وفي { مطهرة } وجهان: أحدهما: من الشرك، قاله عكرمة. الثاني: مطهرة الحكم بحسن الذكر والثناء، قاله قتادة. ويحتمل ثالثاً: لنزولها من عند الله. { فيها كُتُبٌ قَيِّمةٌ } فيه وجهان: أحدهما: يعني كتب الله المستقيمة التي جاء القرآن بذكرها، وثبت فيه صدقها، حكاه ابن عيسى. الثاني: يعني فروض الله العادلة، قاله السدي. { وما تَفَرَّقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ } يعني اليهود والنصارى. { إلاّ مِن بَعْدِ ما جاءتْهم البْيِّنَةُ } فيه قولان: احدهما: القرآن، قاله أبو العالية. الثاني: محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن شجرة. ويحتمل ثالثاً: البينة ما في كتبهم من صحة نبوته. { وما أُمِروا إلاّ ليَعْبُدوا الله مُخْلِصينَ له الدِّينَ } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: مُقِرِّين له بالعبادة. الثاني: ناوين بقلوبهم وجه الله تعالى في عبادتهم. الثالث: إذا قال لا إله إلا الله أن يقول على أثرها " الحمد لله " ، قاله ابن جرير. ويحتمل رابعاً: إلا ليخلصوا دينهم في الإقرار بنبوته. { حُنفاءَ } فيه ستة أوجه: أحدها: متبعين. الثاني: مستقيمين، قاله محمد بن كعب. الثالث: مخلصين، قاله خصيف. الرابع: مسلمين، قاله الضحاك، وقال الشاعر: