الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ }

قوله عز وجل: { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ } فيه قراءتان:

إحداهما: من أنفسكم بفتح الفاء ويحتمل تأويلها ثلاثة أوجه:

أحدها: من أكثركم طاعة لله تعالى.

الثاني: من أفضلكم خلقاً.

الثالث: من أشرفكم نسباً.

والقراءة الثانية: بضم الفاء، وفي تأويلها أربعة أوجه:

أحدها: يعني من المؤمنين لم يصبه شيء من شرك، قاله محمد بن علي.

الثاني: يعني من نكاح لم يصبه من ولادة الجاهلية، قاله جعفر بن محمد. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " خَرَجْتُ مِن نِكَاحٍ وَلَمْ أَخَرُجْ مِنْ سِفَاحٍ "

الثالث: ممن تعرفونه بينكم، قاله قتادة.

الرابع: يعني من جميع العرب لأنه لم يبق بطن من بطون العرب إلا قد ولدوه، قاله الكلبي.

{ عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عنِتُّمُ } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: شديد عليه ما شق عليكم، قاله ابن عباس.

الثاني: شديد عليه ما ضللتم، قاله سعيد بن أبي عروبة.

الثالث: عزيز عليه عنت مؤمنكم، قاله قتادة.

{ حَرِيصٌ عَلَيكُمْ } قاله الحسن: حريص عليكم أن تؤمنوا.

{ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } فيه وجهان:

أحدهما: بما يأمرهم به من الهداية ويؤثره لهم من الصلاح.

الثاني: بما يضعه عنهم من المشاق ويعفو عنهم من الهفوات، وهو محتمل.

قوله عز وجل { فَإِن تَوَلَّوْا } فيه وجهان:

أحدهما: عن طاعة الله، قاله الحسن.

الثاني: عنك، ذكره عليّ بن عيسى.

{ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلْتُ } يحتمل وجهين:

أحدهما: حسبي الله معيناً عليكم.

الثاني: حسبي الله هادياً لكم.

{ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظيمِ } يحتمل وجهين:

أحدهما: لسعته.

الثاني: لجلالته.

روى يوسف بن مهران عن ابن عباس أن آخر ما أُنزل من القرآن هاتان الآيتان { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ } وهذه الآية. وقال أُبي بن كعب: هما أحدث القرآن عهداً بالله وقال مقاتل: تقدم نزولهما بمكة، والله أعلم.