الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله عز وجل: { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ } يعني مسجد قباء والألف من { أَفَمَنْ } ألف إنكار.

ويحتمل قوله { عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ } وجهين:

أحدهما: أن التقوى اجتناب معاصيه، والرضوان فعل طاعته.

الثاني: أن التقوى اتقاء عذابه، والرضوان طلب ثوابه.

وكان عمر بن شبة يحمل قوله تعالى { لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى } على مسجد المدينة، ويحتمل { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مَنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ } على مسجد قباء، فيفرق بين المراد بهما في الموضعين.

{ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ } يعني شفير جرف وهو حرف الوادي الذي لا يثبت عليه البناء لرخاوته وأكل الماء له { هَارٍ } يعني هائر، والهائر: الساقط. وهذا مثل ضربه الله تعالى لمسجد الضرار.

ويحتمل المقصود بضرب هذا المثل وجهين:

أحدهما: أنه لم يبق بناؤهم الذي أسس على غير طاعة الله حتى سقط كما يسقط ما بني على حرف الوادي.

الثاني: أنه لم يخف ما أسرُّوه من بنائه حتى ظهر كما يظهر فساد ما بنى على حرف الوادي بالسقوط.

{ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } فيه وجهان:

أحدهما: أنهم ببنيانهم له سقطوا في نار جهنم.

الثاني: أن بقعة المسجد مع بنائها وبُناتها سقطت في نار جهنم، قاله قتادة والسدي.

قال قتادة: ذكر لنا أنه حفرت منه بقعة فرئي فيها الدخان وقال جابر بن عبد الله: رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حين انهار.

قوله عزوجل { لاَ يََزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ } يعني مسجد الضرار.

{ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِم } فيه قولان:

أحدهما: أن الريبة فيها عند بنائه.

الثاني: أن الريبة عند هدمه.

فإن قيل بالأول ففي الريبة التي في قلوبهم وجهان:

أحدهما: غطاء على قلوبهم، قاله حبيب بن أبي ثابت.

الثاني: أنه شك في قلوبهم، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك، ومنه قول النابغة الذبياني:

حَلَفْتُ فلم أترك لنَفْسِكَ ريبة   وليس وراءَ الله للمرءِ مذهب
ويحتمل وجهاً ثالثاً: أن تكون الريبة ما أضمروه من الإضرار برسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

وإن قيل بالثاني أن الريبة بعد هدمه ففيها وجهان:

أحدهما: أنها حزازة في قلوبهم، قاله السدي.

الثاني: ندامة في قلوبهم، قاله حمزة.

ويحتمل وجهاً ثالثاً: أن تكون الريبة الخوف من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين.

{ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: إلا أن يموتوا، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك.

الثاني: إلا أن يتوبوا، قاله سفيان.

الثالث: إلا أن تقطع قلوبهم في قبورهم، قاله عكرمة. وكان أصحاب ابن مسعود يقرأُونها: { وَلَوْ تَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ }.