قوله عز وجل: { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ } يعني مسجد قباء والألف من { أَفَمَنْ } ألف إنكار. ويحتمل قوله { عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ } وجهين: أحدهما: أن التقوى اجتناب معاصيه، والرضوان فعل طاعته. الثاني: أن التقوى اتقاء عذابه، والرضوان طلب ثوابه. وكان عمر بن شبة يحمل قوله تعالى { لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى } على مسجد المدينة، ويحتمل { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مَنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ } على مسجد قباء، فيفرق بين المراد بهما في الموضعين. { أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ } يعني شفير جرف وهو حرف الوادي الذي لا يثبت عليه البناء لرخاوته وأكل الماء له { هَارٍ } يعني هائر، والهائر: الساقط. وهذا مثل ضربه الله تعالى لمسجد الضرار. ويحتمل المقصود بضرب هذا المثل وجهين: أحدهما: أنه لم يبق بناؤهم الذي أسس على غير طاعة الله حتى سقط كما يسقط ما بني على حرف الوادي. الثاني: أنه لم يخف ما أسرُّوه من بنائه حتى ظهر كما يظهر فساد ما بنى على حرف الوادي بالسقوط. { فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } فيه وجهان: أحدهما: أنهم ببنيانهم له سقطوا في نار جهنم. الثاني: أن بقعة المسجد مع بنائها وبُناتها سقطت في نار جهنم، قاله قتادة والسدي. قال قتادة: ذكر لنا أنه حفرت منه بقعة فرئي فيها الدخان وقال جابر بن عبد الله: رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حين انهار. قوله عزوجل { لاَ يََزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ } يعني مسجد الضرار. { رِيبَةً فِي قُلُوبِهِم } فيه قولان: أحدهما: أن الريبة فيها عند بنائه. الثاني: أن الريبة عند هدمه. فإن قيل بالأول ففي الريبة التي في قلوبهم وجهان: أحدهما: غطاء على قلوبهم، قاله حبيب بن أبي ثابت. الثاني: أنه شك في قلوبهم، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك، ومنه قول النابغة الذبياني:
حَلَفْتُ فلم أترك لنَفْسِكَ ريبة
وليس وراءَ الله للمرءِ مذهب
ويحتمل وجهاً ثالثاً: أن تكون الريبة ما أضمروه من الإضرار برسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. وإن قيل بالثاني أن الريبة بعد هدمه ففيها وجهان: أحدهما: أنها حزازة في قلوبهم، قاله السدي. الثاني: ندامة في قلوبهم، قاله حمزة. ويحتمل وجهاً ثالثاً: أن تكون الريبة الخوف من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين. { إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: إلا أن يموتوا، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك. الثاني: إلا أن يتوبوا، قاله سفيان. الثالث: إلا أن تقطع قلوبهم في قبورهم، قاله عكرمة. وكان أصحاب ابن مسعود يقرأُونها: { وَلَوْ تَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ }.