الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله عز وجل: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } قال ابن عباس: لما نزل في أبي لبابة وأصحابه { وَءَاخَرُونَ اعْترَفُواْ بِذُنُوبِهِم } الآية. ثم تاب عليهم قالوا يا رسول الله خذ منا صدقة أموالنا لتطهرنا وتزكينا، قال: لا أفعل حتى أؤمر، فأنزل الله تعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } وفيها وجهان:

أحدهما: أنها الصدقة التي بذلوها من أموالهم تطوعاً، قاله ابن زيد.

والثاني: أنها الزكاة التي أوجبها الله تعالى في أموالهم فرضاً، قاله عكرمة. ولذلك قال: { مِنْ أَمْوَالِهِمْ } لأن الزكاة لا تجب في الأموال كلها وإنما تجب في بعضها.

{ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } أي تطهر ذنوبهم وتزكي أعمالهم.

{ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } فيه وجهان:

أحدهما: استغفر لهم: قاله ابن عباس.

الثاني: ادع لهم، قاله السدي.

{ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ } فيه خمسة تأويلات:

أحدها: قربة لهم، قاله ابن عباس في رواية الضحاك.

الثاني: رحمة لهم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس أيضاً.

الثالث: وقار لهم، قاله قتادة.

الرابع: تثبت لهم، قاله ابن قتيبة.

الخامس: أمن لهم، ومنه قول الشاعر:

يَا جَارَةَ الحَيِّ كُنتِ لي سَكَناً   إذْ ليْسَ بعضُ الجِيرَانِ بِالسَّكَنِ
وفي الصلاة عليهم والدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم ستة أوجه:

أحدها: يجب على الآخذ الدعاء للمعطي اعتباراً بظاهر الأمر.

الثاني: لا يجب ولكن يستحب لأن جزاءها على الله تعالى لا على الآخذ.

والثالث: إن كانت تطوعاً وجب على الآخذ الدعاء، وإن كانت فرضاً استحب ولم يجب.

والرابع: إن كان آخذها الوالي استحب له الدعاء ولم يجب عليه، وإن كان آخذها الفقير وجب عليه الدعاء له، لأن الحق في دفعها إلى الوالي معيّن، وإلى الفقير غير معيّن.

والخامس: إن كان آخذها الوالي وجب، وإن كان الفقير استحب ولم يجب. لأنه دفعها إلى الوالي إظهار طاعة فقوبل عليها بالشكر وليس كذلك الفقير.

والسادس: إن سأل الدافع الدعاء وجب، وإن لم يسأل استحب ولم يجب.

روى عبد الله بن أبي أوفى قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بصدقات قومي فقلت يا رسول الله صلِّ عليّ، فقال: " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى ".