قوله عز وجل: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } قال ابن عباس: لما نزل في أبي لبابة وأصحابه { وَءَاخَرُونَ اعْترَفُواْ بِذُنُوبِهِم } الآية. ثم تاب عليهم قالوا يا رسول الله خذ منا صدقة أموالنا لتطهرنا وتزكينا، قال: لا أفعل حتى أؤمر، فأنزل الله تعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } وفيها وجهان: أحدهما: أنها الصدقة التي بذلوها من أموالهم تطوعاً، قاله ابن زيد. والثاني: أنها الزكاة التي أوجبها الله تعالى في أموالهم فرضاً، قاله عكرمة. ولذلك قال: { مِنْ أَمْوَالِهِمْ } لأن الزكاة لا تجب في الأموال كلها وإنما تجب في بعضها. { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } أي تطهر ذنوبهم وتزكي أعمالهم. { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } فيه وجهان: أحدهما: استغفر لهم: قاله ابن عباس. الثاني: ادع لهم، قاله السدي. { إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ } فيه خمسة تأويلات: أحدها: قربة لهم، قاله ابن عباس في رواية الضحاك. الثاني: رحمة لهم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس أيضاً. الثالث: وقار لهم، قاله قتادة. الرابع: تثبت لهم، قاله ابن قتيبة. الخامس: أمن لهم، ومنه قول الشاعر:
يَا جَارَةَ الحَيِّ كُنتِ لي سَكَناً
إذْ ليْسَ بعضُ الجِيرَانِ بِالسَّكَنِ
وفي الصلاة عليهم والدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم ستة أوجه: أحدها: يجب على الآخذ الدعاء للمعطي اعتباراً بظاهر الأمر. الثاني: لا يجب ولكن يستحب لأن جزاءها على الله تعالى لا على الآخذ. والثالث: إن كانت تطوعاً وجب على الآخذ الدعاء، وإن كانت فرضاً استحب ولم يجب. والرابع: إن كان آخذها الوالي استحب له الدعاء ولم يجب عليه، وإن كان آخذها الفقير وجب عليه الدعاء له، لأن الحق في دفعها إلى الوالي معيّن، وإلى الفقير غير معيّن. والخامس: إن كان آخذها الوالي وجب، وإن كان الفقير استحب ولم يجب. لأنه دفعها إلى الوالي إظهار طاعة فقوبل عليها بالشكر وليس كذلك الفقير. والسادس: إن سأل الدافع الدعاء وجب، وإن لم يسأل استحب ولم يجب. روى عبد الله بن أبي أوفى قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بصدقات قومي فقلت يا رسول الله صلِّ عليّ، فقال: " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى ".