الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ } * { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } * { وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } * { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } * { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } * { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ } * { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ } * { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } * { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } * { وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى } * { ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ } * { ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا }

قوله تعالى { سَبِّح اسمَ رَبِّكَ الأعْلَى } فيه أربعة أقاويل:

أحدها: عظّم ربك الأعلى، قاله ابن عباس والسدي، والاسم صلة قصد بها تعظيم المسّمى، كما قال لبيد:

إلى الحْولِ ثم اسم السلام عليكما   ومَنْ يَبْكِ حَوْلاً كاملاً فقد اعتذر
الثاني: نزّه اسم ربك عن أن يسمى به أحد سواه، ذكره الطبري.

الثالث: معناه ارفع صوتك بذكر ربك، قال جرير:

قَبَحَ الإلهُ وَجوه تَغْلبَ كلّما   سَبَحَ الحجيجُ وكبّروا تكبيرا
الرابع: صلّ لربك، فعلى هذا في قوله " اسم ربك " ثلاثة أوجه:

أحدها: بأمر ربك.

الثاني: بذكر ربك أن تفتتح به الصلاة.

الثالث: أن تكون ذاكراً لربك بقلبك في نيتك للصلاة.

وروي أن عليّاً وابن عباس وابن عمر كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة قالوا: " سبحان ربي الأعلى " امتثالاً لأمره تعالى في ابتدائها، فصار الاقتداء بهم في قراءتها، وقيل إنها في قراءة أُبيّ: " سبحان ربي الأعلى " وكان ابن عمر يقرؤها كذلك.

{ الذي خَلَقَ فَسَوَّى } يحتمل ثلاثة أوجه:

أحدها: يعني أنشأ خلقهم ثم سوّاهم فأكملهم.

الثاني: خلقهم خلقاً كاملاً وسوّى لكل جارحة مثلاً.

الثالث: خلقهم بإنعامه وسوّى بينهم في أحكامه، قال الضحاك:

خلق آدم فَسوّى خلقه.

ويحتمل رابعاَ: خلق في أصلاب الرجال، وسوّى في أرحام الأمهات.

ويحتمل خامساً: خلق الأجساد فسّوى الأفهام.

{ والذي قَدَّرَ فَهَدَى } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: قدّر الشقاوة والسعادة، وهداه للرشد والضلالة، قاله مجاهد.

الثاني: قدر أرزاقهم وأقواتهم، وهداهم لمعاشهم إن كانوا إنساً، ولمراعيهم إن كانوا وحشاً.

الثالث: قدرهم ذكوراً وإناثاً، وهدى الذكر كيف يأتى الأنثى، قاله السدي.

ويحتمل رابعاً: قدر خلقهم في الأرحام، وهداهم الخروج للتمام.

ويحتمل خامساً: خلقهم للجزاء، وهداهم للعمل.

{ والذي أَخْرَجَ المْرعى } يعني النبات، لأن البهائم ترعاه، قال الشاعر:

وقد يَنْبُتُ المرعى على دِمَنِ الثّرَى   وتَبْقَى حَزازاتُ النفوسِ كما هِيا
{ فَجَعَلهُ غُثاءً أَحْوَى } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أن الغثاء ما يبس من النبات حتى صار هشيماً تذروه الرياح.

الأحوى: الأسود، قال ذي الرمة:

لمياءُ في شَفَتَيْها حُوَّةٌ لَعَسٌ   وفي اللّثاتِ وفي أنْيابها شَنَبُ
وهذا معنى قول مجاهد.

الثاني: أن الغثاء ما احتمل السيل من النبات، والأحوى: المتغير، وهذا معنى قول السدي.

الثالث: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، ومعناه أحوى فصار غثاء، والأحوى: ألوان النبات الحي من أخضر وأحمر وأصفر وأبيض، ويعبر عن جميعه بالسواد كما سمي به سواد العراق، وقال امرؤ القيس:

وغيـثٍ دائـمِ التهْـتـا   نِ حـاوي النـبـتِ أدْهـم
والغثاء: الميت اليابس، قال قتادة: وهو مثل ضربه الله تعالى للكفار لذهاب الدنيا بعد نضارتها.

{ سنُقْرئك فلا تَنسَى } فيه وجهان:

أحدهما: أن معنى قوله: فلا تنسى، أي فلا تترك العمل إلا ما شاء الله أن يترخص لك فيه، فعلى هذا التأويل يكون هذا نهياً عن الشرك.

السابقالتالي
2