الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ }

قوله عز وجل: { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ } يحتمل وجهين:

أحدهما: ولكن الله قتلهم بسوقهم إليكم حتى أمكنكم منهم.

والثاني: ولكن الله قتلهم بمعونته لكم حين ألقى في قلوبهم الرعب وفي قلوبكم النصر.

وفيه وجه ثالث قاله ابن بحر: ولكن الله قتلهم بالملائكة الذين أمدكم بهم.

وقيل لم تقتلوهم بقوتكم وسلاحكم ولكن الله قتلهم بخذلانهم وقبض أرماحهم.

{ وَمَا رَمَيْتَ إذَ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } فيه أربعة أقاويل:

أحدها: ما حكاه ابن عباس، وعرة، والسدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض يوم بدر قبضة من تراب رماهم بها وقال: " شَاهَتِ الْوُجُوهُ " أي قبحت ومنه قول الحطيئة:

أرى لي وجهاً شوه الله خلقه..   فقُبح من وجهٍ وقبح حامله.
فألقى الله تعالى القبضة في أبصارهم حتى شغلتهم بأنفسهم وأظفر الله المسلمين بهم، فهو معنى قوله تعالى: { وَمَا رَمَيْتَ إذَ رَمَيْتَ وَلَكِنَ اللَّهَ رَمَى }. الثاني: معناه وما ظفرت إذ رميت ولكن الله أظفرك، قاله أبو عبيدة.

الثالث: وما رميت قلوبهم بالرعب إذ رميت وجوههم بالتراب ولكن الله ملأ قلوبهم رعباً.

والقول الرابع: أنه أرد رمى أصحابه بالسهم فأصاب رميهم.

وقوله تعالى: { وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } يعني بما أرسله من الريح المعينة لسهامهم حتى سددت وأصابت. والمراد بالرمي الإصابة لأن معى الرمي محمول على الإصابة، فإن لم يصب قيل رمى فأخطأ. وإذا قيل مطلقاً:

قد رمى، لم يعقل منه إلا الإصابة. ألا ترى إلى قول امرىء القيس:

فرماها في فرائصها.   
فاستغنى بذكر الرمي عن وصفه بالإصابة.

وقال ذو الرمة في الرأي:

رمى فأخطأ والأقدار غالبةٌ..   فانصاع والويل هجيراه والحربُ
قوله عز وجل: { وَليُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاَءً حَسَناً } قال أصحاب الخواطر: البلاء الحسن ما يورثك الرضا به والصبر عليه.

وقال المفسرون: البلاء الحسن ها هنا النعمة بالظفر والغنيمة.