{ وما جَعَلْنَا أصحابَ النارِ إلا ملائكةً وما جعلْنا عدَّتهم إلا فِتْنةً للذين كَفَروا } وروى ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم نعت خزنة جهنم فقال: كأن أعينهم البرق، وكأن أفواههم الصياصي، يجرون شعورهم، لأحدهم مثل قوة الثقلين، يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل فيرمي بهم في النار، ويرمي الجبل عليهم. { ليَسْتَيْقِنَ الذين أُوتوا الكتابَ } فيه وجهان: أحدهما: ليستيقنوا عدد الخزنة لموافقة التوراة والإنجيل، قاله مجاهد. الثاني: ليستيقنوا أن محمداً نبي لما جاء به من موافقة عدة الخزنة. { ويَزْدادَ الذين آمَنوا إيماناً } بذلك، قاله جريج. { وما هي إلا ذِكْرى للبَشَرِ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: وما نار جهنم إلا ذكرى للبشر، قاله قتادة. الثاني: وما هذه النار في الدنيا إلا تذكرة لنار الآخرة، حكاه ابن عيسى. الثالث: وما هذه السورة إلا تذكرة للناس، قاله ابن شجرة. { كلا والقَمرِ } الواو في " والقمر " واو القسم، أقسم الله تعالى به، ثم أقسم بما بعده فقال: { والليلِ إذا أَدْبَرَ } فيه وجهان: أحدهما: إذ ولّى، قاله ابن عباس. الثاني: إذ أقبل عند إدبار النهار قاله أبو عبيدة، وقرأ الحسن وأبو عبد الرحمن إذا دبر، وهي قراءة ابن مسعود وأُبي بن كعب. واختلف في أدبر ودبر على قولين: - أحدهما: أنهما لغتان ومعناهما واحد، قاله الأخفش. - الثاني: أن معناهما مختلفان، وفيه وجهان: أحدهما: أنه دبر إذا خلقته خلفك، وأدبر إذا ولى أمامك، قاله أبو عبيدة. الثاني: أنه دبر إذا جاء بعد غيره وعلى دبر، وأدبر إذا ولى مدبراً، قاله ابن بحر. { والصُّبْحِ إذا أَسْفَرَ } يعني أضاء وهذا قسم ثالث. { إنها لإحْدَى الكُبَرِ } فيها ثلاثة تأويلات: أحدها: أي أن تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم لإحدى الكبر، أي الكبيرة من الكبائر، قاله ابن عباس. الثاني: أي أن هذه النار لإحدى الكبر، أي لإحدى الدواهي. الثالث: أن هذه الآية لإحدى الكبر، حكاه ابن عيسى. ويحتمل رابعاً: أن قيام الساعة لإحدى الكبر، والكُبَرُ هي العظائم والعقوبات والشدائد، قال الراجز:
يا ابن المُغَلّى نزلتْ إحدى الكُبَرْ
داهية الدهرِ وصَمّاءُ الغِيَرْ.
{ نذيراً للبشر } فيه وجهان: أحدهما: أن محمداً صلى الله عليه وسلم نذير للبشر حين قاله له " قم فأنذر " قاله ابن زيد. الثاني: أن النار نذير للبشر، قال الحسن: والله ما أنذر الخلائق قط بشيء أدهى منها. ويحتمل ثالثاً: أن القرآن نذير للبشر لما تضمنه من الوعد والوعيد. { لمن شاءَ منكم أن يتقدّم أو يتأَخّرَ } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يتقدم في طاعة الله، أو يتأخر عن معصية الله، وهذا قول ابن جريج. الثاني: أن يتقدم في الخير أو يتأخر في الشر، قاله يحيى بن سلام. الثالث: أن يتقدم إلى النار أو يتأخر عن الجنة، قاله السدي. ويحتمل رابعاً: لمن شاء منكم أن يستكثر أو يقصر، وهذا وعيد وإن خرج مخرج الخبر.