الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } * { وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } * { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً } * { وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً } * { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً } * { فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً } * { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } * { ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً }

{ واهْجُرهم هَجْراً جَميلاً } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: اصفح عنهم وقل سلام، قاله ابن جريج.

الثاني: أن يعرض عن سفههم ويريهم صغر عداوتهم.

الثالث: أنه الهجر الخالي من ذم وإساءة.

وهذا الهجر الجميل قبل الإذن في السيف.

{ وذَرْني والمُكَذِّبينَ أُولي النّعْمةِ } قال يحيى بن سلام:

بلغني أنهم بنو المغيرة، وقال سعيد بن جبير: أُخبرت أنهم اثنا عشر رجلاً من قريش.

ويحتمل قوله تعالى: " أولي النّعْمةِ " ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه قال تعريفاً لهم إن المبالغين في التكذيب هم أولي النعمة.

الثاني: أنه قال ذلك تعليلاً، أي الذين أطغى هم أولوا النعمة.

الثالث: أنه قال توبيخاًً أنهم كذبوا ولم يشكروا من أولاهم النعمة.

{ ومهِّلْهم قليلاً } قال ابن جريج: إلى السيف.

{ إنّ لدينا أنْكالاً وجَحيماً } في " أنكالاً " ثلاثة أوجه:

أحدها: أغلالاً، قاله الكلبي.

الثاني: أنها القيود، قاله الأخفش وقطرب، قالت الخنساء:

دَعاك فَقَطّعْتَ أنكاله   وقد كُنّ قبْلك لا تقطع.
الثالث: أنها أنواع العذاب الشديد، قاله مقاتل، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله تعالى يحب النكل على النكل، قيل: وما النكل؟ قال: الرجل القوي المجرب على الفرس القوي المجرب " ومن ذلك سمي القيد نكلاً لقوته، وكذلك الغل، وكل عذاب قوي واشتد.

{ وطعاماً ذا غُصَّةٍ } فيه وجهان:

أحدهما: أنه شوك يأخذ الحلق فلا يدخل ولايخرج، قاله ابن عباس.

الثاني: أنها شجرة الزقوم، قاله مجاهد.

{ وكانت الجبالُ كَثيباً مَهيلاً } فيه وجهان:

أحدهما: رملاً سائلاً، قاله ابن عباس.

الثاني: أن المهيل الذي إذا وطئه القدم زل من تحتها وإذا أخذت أسفله انهال أعلاه، قاله الضحاك والكلبي.

{ فأخَذْناه أَخْذاً وبيلاً } فيه أربعة تأويلات:

أحدهما: شديداً، قاله ابن عباس ومجاهد.

الثاني: متتابعاً، قاله ابن زيد.

الثالث: ثقيلاً غليظاً، ومنه قيل للمطر العظيم وابل، قاله الزجاج.

الرابع: مهلكاً، ومنه قول الشاعر:

أكْلتِ بَنيكِ أَكْلَ الضّبِّ حتى   وَجْدتِ مرارةَ [الكلإ الوبيل].
{ فكيف تتّقونَ } يعني يوم القيامة.

{ إن كفَرتم يوماً يجْعَل الولدان شيباً } الشيب: جمع أشيب، والأشيب والأشمط الذي اختلط سواد شعره ببياضه، وهو الحين الذي يقلع فيه ذو التصابي عن لهوه، قال الشاعر:

طرْبتَ وما بك ما يُطرِب   وهل يلعب الرجلُ الأَشْيَبُ
وإنما شاب الولدان في يوم القيامة من هوْله.

{ السماءُ مُنفطرٌ به } فيه أربعة أوجه:

أحدها: ممتلئة به، قاله ابن عباس.

الثاني: مثقلة، قاله مجاهد.

الثالث: مخزونة به، قاله الحسن.

الرابع: منشقة من عظمته وشدته، قاله ابن زيد.

{ وكانَ وعْدُه مَفْعولاً } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: وعده بأن السماء منفطر به، وكون الجبال كثيباً مهيلاً، وأن يجعل الولدان شيباً، قاله يحيى بن سلام.

الثاني: وعده بأن يظهر دينه على الدين كله، قاله مقاتل.

الثالث: وعده بما بشّر وأنذر من ثوابه وعقابه.

وفي المعنى المكنى عنه في قوله " به " وجهان:

أحدهما: أن السماء منفطرة باليوم الذي يجعل الولدان شيباً، فيكون اليوم قد جعل الولدان شيباً، وجعل السماء منفطرة ويكون انفطارها للفناء.

الثاني: معناه أن السماء منفطرة بما ينزل منها بأن يوم القيامة يجعل الولدان شيباً، ويكون انفطارها بانفتاحها لنزول هذا القضاء منها.