الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } * { قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } * { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } * { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } * { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } * { إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } * { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } * { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً }

قوله تعالى: { يا أيها المزمِّلُ } قال الأخفش: أصله المتزمل فأدغم التاء في الزاي، وكذا المدثر.

وفي أصل المزمل: قولان:

أحدهما: المحتمل، يقال زمل الشيء إذا حمله، ومنه الزاملة التي تحمل القماش.

الثاني: المزمل هو المتلفف، قال امرؤ القيس:

كأن ثبيراً في عرائين وبْله   كبيرُ أناسٍ في بجادٍ مُزَمّلِ.
وفيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: يا أيها المزمل بالنبوة، قاله عكرمة.

الثاني: بالقرآن، قاله ابن عباس.

الثالث: بثيابه، قاله قتادة.

قال إبراهيم: نزلت عليه وهو في قطيفة.

{ قُمِ الليلَ إلا قليلاً } يعني صلِّ الليل إلا قليلاً، وفيه وجهان:

أحدهما: إلا قليلاً من أعداد الليالي لا تقمها.

الثاني: إلا قليلاً من زمان كل ليلة لا تقمه وقد كان فرضاً عليه.

وفي فرضه على مَنْ سواه من أُمّته قولان:

أحدهما: فرض عليه دونهم لتوجه الخطاب إليه، ويشبه أن يكون قول سعيد ابن جبير.

الثاني: أنه فرض عيله وعليهم فقاموا حتى ورمت أقدامهم، قاله ابن عباس وعائشة.

وقال ابن عباس: كانوا يقومون نحو قيامه في شهر رمضان ثم نسخ فرض قيامه على الأمة، واختلف بماذا نسخ عنهم على قولين:

أحدهما: بالصلوات الخمس وهو قول عائشة.

الثاني: بآخر السورة، قاله ابن عباس.

واختلفوا من مدة فرضه إلى أن نسخ على قولين:

أحدهما: سنة، قال ابن عباس: كان بين أول المزمل وآخرها سنة.

الثاني: ستة عشر شهراً، قالته عائشة، فهذا حكم قيامه في فرضه ونسخه على الأمة.

فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان فرضاً عليه، وفي نسخه عنه قولان:

أحدهما: المدة المفروضة على أمته في القولين الماضيين.

الثاني: أنها عشر سنين إلى أن خفف عنها بالنسخ زيادة في التكليف لتميزه بفضل الرسالة، قاله سعيد بن جبير.

قوله " قم الليلَ إلاّ قليلاً " لأن قيام جميعه على الدوام غير ممكن فاستثنى منه القليل لراحة الجسد، والقليل من الشيء ما دون النصف.

حكي عن وهب بن منبه أنه قال: القليل ما دون المعشار والسدس.

وقال الكلبي ومقاتل: القليل الثلث.

وَحدُّ الليل ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر الثاني.

ثم قال تعالى: { نِصْفَهُ أو انقُصْ مِنْهُ قليلاً } فكان ذلك تخفيفاً إذا لم يكن زمان القيام محدوداً، فقام الناس حتى ورمت أقدامهم، فروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الليل فقال: أيها الناس اكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن اللَّه لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل، وخير الأعمال ما ديم عليه.

ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: " عَلِم أنْ لن تُحْصوه فتابَ عليكم فاقْرَؤوا ما تيسّر من القرآن ".

{ أوزِدْ عليه ورَتِّل القرآنَ تَرْتيلاً } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: بيّن القرآن تبياناً، قاله ابن عباس وزيد بن أسلم.

السابقالتالي
2