قوله عز وجل: {... هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً } في الآية هنا وجهان: أحدهما: أن الآية الفرض كما قال تعالى:{ وَأَنَزَلْنَا فِيهَا ءَايَاتٍ } [النور: 1] أي فرضاً، ويكون معنى الكلام هذه ناقة الله عليكم فيها فرض أن تذروها { تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ } أي لا تعقروها. والثاني: أنها العلامة الدالة على قدرته. والآية فيها آيتان: إحداهما: أنها خرجت من صخرة ملساء تمخضت بها كما تتمخض المرأة ثم انفلقت عنها على الصفة التي طلبوها. والثانية: أنه كان لها شرب يوم، ولهم شرب يوم يخصهم لا تقرب فيه ماءهم، حكي ذلك عن أبي الطفيل والسدي وابن إسحاق. قوله عز وجل: {... وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ } فيه وجهان: أحدهما: يعني أنزلكم في الأرض وهي أرض الحجر بين الشام والمدينة. والثاني: فيها من منازل تأوون إليها، ومنه قولهم: بوأته منزلاً، إذا أمكنته منه ليأوي إليه، قال الشاعر:
وَبُوِّئَتْ فِي صَمِيمِ مَعْشَرِهَا
فَتَمَّ فِي قَوْمِهَا مَبْوَؤُهَا
أي مكنت من الكرم في صميم النسب. { تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً } والقصور ما شيد وعلا من المنازل اتخذوها في سهول الأرض ليصيِّفوا فيها. { وَتَنْحِتَونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً } لتكون مساكنهم في الشتاء لأنها أحصن وأبقى وأدفأ فكانوا طوال الآمال طوال الأعمار. { فَاْذْكُرُوا ءَالآءَ اللَّهِ } فيه ما قدمنا، أي نعمه أو عهوده. { ولا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفسِدِينَ } فيه وجهان: أحدهما: لا تعملوا فيها بالمعاصي. والثاني: لا تدعوا إلى عبادة غير الله. وفي العبث وجهان: أحدهما: أنه السعي في الباطل. والثاني: أنه الفعل المؤدي لضير فاعله. قوله عز وجل: { فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ } فيها ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها حركة الأرض تضطرب من تحتهم. والثاني: أنها الصيحة، قاله مجاهد، والسدي. والثالث: أنها زلزلة أهلكوا بها، قاله ابن عباس. { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِم جَاثِمِينَ } قال محمد بن مروان السدي: كل ما في القرآن من { دَارِهِمْ } فالمراد به مدينتهم، وكل ما فيه من { دِيَارِهِم } فالمراد به مساكنهم، وفي الجاثم قولان: أحدهما: أنه البارك على ركبتيه لأنهم أصبحوا موتى على هذه الحال. والثاني: معناه أنهم أصبحوا كالرماد الجاثم لأن الصاعقة أحرقتهم. وقيل: إنه كان بعد العصر. { فَتَوَلَّى عَنْهُمْ } أي خرج من بين أظهرهم، وقيل إن صالحاً خرج عنهم إلى رملة فلسطين بمن آمن معه من قومه وهم مائة وعشرة، وقيل إنه لم تهلك أمة ونبيها بين أظهرها.