الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله عز وجل: { ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } فيه وجهان:

أحدهما: في الرغبة والرهبة، قاله ابن عباس.

والثاني: التضرع: التذلل والخضوع، والخفية: إخلاص القلب.

ويحتمل أن التضرع بالبدن، والخفية إخلاص القلب.

{ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } يعني في الدعاء، والاعتداء فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: أن يسأل ما لا يستحقه من منازل الأنبياء، قاله أبو مجلز.

والثاني: أنه يدعو باللعنه والهلاك على من لا يستحق، قاله مقاتل.

والثالث: أن يرفع صوته بالدعاء، روى أبو عثمان النهدي عن أبي موسى الأشعري قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فأشرفوا واد، فجعل الناس يكبرون ويهللون ويرفعون أصواتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنفُسكُم إِنَّكُم لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِباً إِنَّكُم تَدْعُونَ سَمِيعاً قَرِيباً وَهُوَ مَعَكُمْ ".

قوله عز وجل: { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } فيه أربعة أقاويل:

أحدها: لا تفسدوها بالكفر بعد إصلاحها بالإيمان.

والثاني: لا تفسدوها بالظلم بعد إصلاحها بالعدل.

والثالث: لا تفسدوها بالمعصية بعد إصلاحها بالطاعة، قاله الكلبي.

والرابع: لا تفسدوها بقتل المؤمن بعد إصلاحها ببقائه، قاله الحسن.

{ وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً } يحتمل وجهين:

أحدهما: خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه.

والثاني: خوفاً من الرد وطمعاً في الإجابة.

{ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } فإن قيل: فلم أسقط الهاء من قريب والرحمة مؤنثة؟

فعن ذلك جوابان.

أحدهما: أن الرحمة من الله إنعام منه فَذُكِّرَ على المعنى، وهو أن إنعام الله قريب من المحسنين، قاله الأخفش.

والثاني: أن المراد به مكان الرحمة، قاله الفراء، كما قال عروة بن حزام:

عَشِيَّة لاَ عَفْرَاءَ مِنكِ قَرِيبَةٌ   فَتَدْنُو ولا عَفْرَاءُ مِنْكِ بَعِيدُ
فأراد بالبعد مكانها فأسقط الهاء، وأرادها هي بالقريبة فأثبت الهاء.