الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }

قوله عز وجل: { يَا بَنِيَ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوُءَاتِكُمْ } نزلت هذه الآية في قوم من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويرون أن ذلك أبلغ في الطاعة وأعظم في القربة.

وفي دخول الشبهة عليهم في ذلك وجهان:

أحدهما: أن الثياب قد دنستها المعاصي فخرجوا عنها.

والثاني: تفاؤلاً بالتعري من الذنوب فقال الله تعالى:

{ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً } أي ما تلبسون من الثياب.

فإن قيل: فليس ذلك بمنزل من السماء.

فعنه جوابان:

أحدهما: أنه لما كان ينبت من المطر الذي نزل من السماء صار كالمنزل من السماء، قاله الحسن.

والثاني: أن هذا من بركات الله، والبركة تنسب إلى أنها تنزل من السماء، كما قال تعالى:وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ } [الحديد: 25].

ثم قال: { يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ } أي يستر عوراتكم، وسميت العورة سوأة لأنه يسوء صاحبها انكشافها.

ثم قال: { وَرِيشاً } وهذه قراءة أهل الأمصار وكان الحسن يقرأ: { وَرِيَاشاً } وفيه أربعة تأويلات:

أحدهما: أنه المعاش، قاله معبد الجهني.

والثاني: أنه اللباس والعيش والنعيم، قاله ابن عباس.

والثالث: أنه الجمال والزينة، قاله ابن زيد، ومنه قوله رؤبة:

إليك أشكو شدة المعيش   وجهد أعوام نتفن ريشي
يريد أذهبن جمالي وزينتي.

والرابع: أنه المال: قاله ابن الزبير ومجاهد، قال الشاعر:

فريشي منكم وهواي معكم   وإن كانت زيارتكم لماما
وفي الريش والرياش وجهان:

أحدهما: أن معناهما واحد وإن اختلف لفظهما.

والوجه الثاني: أن معناهما مختلف، فالريش ما بطن، والرياش ما ظهر.

ثم قال: { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ } وفي لباس التقوى سبعة تأويلات:

أحدها: أنه الإيمان، قاله قتادة والسدي.

الثاني: الحياة، قاله معبد الجهني.

والثالث: أنه العمل الصالح، قاله ابن عباس.

والرابع: أنه السمت الحسن، قاله عثمان بن عفان.

والخامس: خشية الله، قاله عروة بن الزبير.

السادس: ستر العورة للصلاة التي هي التقوى، قاله ابن زيد. والسابع: لبس ما يُتَّقَى به الحر والبرد، قاله ابن بحر.

وفي قوله: { ذَلِكَ خَيْرٌ } وجهان:

أحدهما: أنه راجع إلى لباس التقوى ومعنى الكلام أن لباس التقوى خير من الرياش واللباس، قاله قتادة والسدي.

والثاني: أنه راجع إلى جميع ما تقدم من { قَدْ أَنزَلْنَا علَيكُمْ لِبَاساً يُوارِي سَوْءَاتِكُم وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوى } ، ثم قال: { ذَلِكَ } الذي ذكرته هو { خَيْرٌ } كله.