الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }

قوله عز وجل: { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } اختلف أهل العربية في معنى قوله: { فبما أغويتني } على قولين:

أحدهما: أنه على معنى القسم وتقديره: فبإغوائك لي لأقعدن لهم صراطك المستقيم.

والثاني: أنه على معنى المجازاة، تقديره: فلأنك أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم.

واختلف أهل العلم في قوله: { أَغْوَيْتَنِي } على أربعة أقاويل:

أحدها: معناه أضللتني، قاله ابن عباس وابن زيد.

والثاني: معناه خيبتني من جنتك، ومنه قول الشاعر:

فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره   ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً
أي ومن يخب.

والثالث: معناه عذبتني كقوله تعالى:فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَياً } [مريم: 59] أي عذاباً، قاله الحسن.

والرابع: معناه أهلكتني بلعنك لي، يقال غوى الفصيل إذا أشفى على الهلاك بفقد اللبن، قال الشاعر:

معطفة الأثناء ليس فصيلها   برازئها دراً ولا ميِّت غوى
وقوله: { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } أي على صراطك المستقيم، وفيه تأويلان:

أحدهما: طريق مكة ليصد عن قصدها في الحج والعمرة، قاله ابن مسعود.

والثاني: طريق الحق ليصد عنها بالإغواء، قاله مجاهد.

قوله عز وجل: { ثُمَّ لأَتِيَنَّهُم مِّنَ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ... } الآية. فيه أربعة تأويلات:

أحدها: { مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } أي أشككهم في آخرتهم، { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أرغبهم في دنياهم، { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ }: أي من قبل حسناتهم، { وَعَن شَمَآئِلِهِم } من قبل سيئاتهم، قاله ابن عباس.

والثاني: { مِنّ بَيْنِ أيْدِيهِمْ }: من قبل، دنياهم، { وَمِنْ خَلْفِهِمْ }: من قبل آخرتهم، { وَعَنْ أَيْمَأنِهِمْ }: الحق أشككهم فيه، { وَعَن شَمَآئِلِهِم }: الباطل أرغبهم فيه، قاله السدي وإبراهيم.

والثالث: { مِنّ بَيْنِ أَيْدِيهِم } { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } من حيث ينظرون، { وَمِنْ خَلْفِهِم } { وَعَنْ شَمَائِلِهِم }: من حيث لا يبصرون، قاله مجاهد.

والرابع: أراد من كل الجهات التي يمكن الاحتيال عليهم منها، ولم يذكر من فوقهم لأن رحمة الله تصده، ولا من تحت أرجلهم لما فيه التنفير، قاله بعض المتأخرين.

ويحتمل تأويلاً خامساً: { مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِم }: فيما بقي من أعمارهم فلا يقدمون على طاعة، { وَمِنْ خَلْفِهِم }: فيما مضى من أعمارهم فلا يتوبون عن معصية، { وَعَنْ أَيْمَانِهِم }: من قبل غناهم فلا ينفقونه في مشكور، { وَعَن شَمَائِلِهِمِ }: من قبل فقرهم فلا يمتنعون فيه عن محظور.

ويحتمل سادساً: { مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِم }: بسط أملهم، { وَمِنْ خَلْفِهِم } تحكيم جهلهم، { وعن أيمانهم }: فيما ييسر لهم، { وَعَن شَمَائِلِهِم }: فيما تعسر عليهم،

ثم قال: { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } يحتمل وجهين:

أحدهما: شاكرين لنعمك.

والثاني: مقيمين على طاعتك.

فإن قيل: فكيف علم إبليس ذلك؟ فعنه جوابان:

أحدهما: أنه ظن ذلك فصدق ظنه، كما قال تعالى:وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنَّهُ } [سبأ: 20] وسبب ظنه أنَّه لما أغوى آدم واستزله قال: ذرية هذا أضعف منه، قاله الحسن.

والثاني: أنه يجوز أن يكون علم ذلك من جهة الملائكة بخبر من الله.