{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمّيَّ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم وفي تسميته بالأمي ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه لا يكتب. الثاني: لأنه من أم القرى وهي مكة. الثالث: لأن من العرب أمة أمية. { الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبَاً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ } لأن في التوراة في السفر الخامس: إني سأقيم لهم نبياً من إخوتهم مثلك، واجعل كلامي في فيه فيقول لهم كل ما أوصيته به. وفيها: وأما ابن الأمة فقد باركت عليه جداً جداً وسأدخره لأمة عظيمة. وفي الإنجيل بشارة بالفارقليط في مواضع: يعطيكم فارقليط آخر يكون معكم الدهر كله. وفيها قول المسيح للحواريين: أنا أذهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه، إنه نذيركم يجمع بين الحق ويخبركم بالأمور المزمعة ويمدحني ويشهد لي. فهذا تفسير { يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ }. ثم قال: { يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ }. وهو الحق. { وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الُْنكَرِ } وهو الباطل وإنما سمي الحق معروفاً لأنه معروف الصحة في العقول، وسمي الباطل منكراً لأنه منكر الصحة في العقول. ثم قال: { وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّباتِ } يعني ما كانت الجاهلية تحرمه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام. { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } يعني ما كانوا يستحلونه من لحم الخنزير والدماء. { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ } فيه تأويلان: أحدهما: أنه عهدهم الذي كان الله تعالى أخذه على بني إسرائيل. والثاني: أنه التشديد على بني إٍسرائيل الذي كان في دينهم من تحريم السبت وتحريم الشحوم والعروق وغير ذلك من الأمور الشاقة، قاله قتادة. { والأَغْلاَلَ التَّي كَانَتْ عَلَيهِمْ } فيها تأويلان: أحدهما: أنه الميثاق الذي أخذه عليهم فيما حرمه عليهم، قاله ابن أبي طلحة. والثاني: يعني ما بيَّنه الله تعالى في قوله:{ غُلَّتْ أَيْدِيِهِمْ } [المائدة: 64]. { فَالَّذِينَ أَمَنُوا بِهِ وعَزَّرُوهُ... } فيه وجهان: أحدهما: يعني عظموه، قاله علي بن عيسى. والثاني: منعوه من أعدائه، قاله أبو جعفر الطبري. ومنه تعزير الجاني لأنه يمنعه من العود إلى مثله. { وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ } يعني القرآن، آمنوا به من بعده فروى قتادة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: " أَيُّ الخَلْقِ أَعْجَبُ إِلَيكُم إِيماناً؟ " قالوا: الملائكة فقال نبي اللَّه (ص): " المَلائِكةُ عِندَ رَبِّهم فَمَا لَهُم لاَ يُؤْمِنُونَ. " فقالوا: النبيون، فقال: " يُوحَى إِلَيهِم فَمَا لَهُم لاَ يُؤْمِنُونَ " قالوا: نحن يا نبي الله. فقال " أَنَا فِيكُم فَمَا لَكُم لاَ تُؤْمِنونَ، " فقالوا: يا نبي الله فمن هم؟ قال: " هُم قَومٌ يَكُونُونَ بَعْدَكُم يَجِدُونَ كِتاباً فِي وَرَقٍ فَيُؤُمِنُونَ بِهِ " فهو معنى قوله: { وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ }.