الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } * { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

{ يا أيها الذين آمنوا إنّ مِنْ أزْواجِكم وأَوْلادِكم عَدوّاً لكم }

فيه خمسة أقاويل:

أحدها: أنه أراد قوماً أسلموا بمكة فأرادوا الهجرة فمنعهم أزواجهم وأولادهم منها وثبطوهم عنها، فنزل ذلك فيهم؛ قاله ابن عباس.

الثاني: من أزواجكم وأولادكم من لا يأمر بطاعة اللَّه ولا ينهى عن معصيته، قاله قتادة. الثالث: أن منهم من يأمر بقطيعة الرحم ومعصية الرب، ولا يستطيع مع حبه ألاّ يطيعه، وهذا من العداوة؛ قاله مجاهد.

وقال مقاتل بن سليمان: نبئت أن عيسى عليه السلام قال: من اتخذ أهلاً ومالاً وولداً كان للدنيا عبداً.

الرابع: أن منهم من هو مخالف للدين، فصار بمخالفة الدين عدواً، قاله ابن زيد.

الخامس: أن من حملك منهم على طلب الدنيا والاستكثار منها كان عدواً لك، قاله سهل.

وفي قوله { فاحذروهم } وجهان:

أحدهما: فاحذروهم على دينكم؛ قاله ابن زيد.

الثاني: على أنفسكم، وهو محتمل.

{ وإن تعْفُوا وتَصْفَحُوا وتَغْفِرُوا } الآية. يريد بالعفو عن الظالم، وبالصفح عن الجاهل، وبالغفران للمسيء.

{ فإنّ اللَّه غفورٌ } للذنب { رحيم } بالعباد، وذلك أن من أسلم بمكة ومنعه أهله من الهجرة فهاجر ولم يمتنع قال:

لئن رجعت لأفعلنّ بأهلي ولأفعلنّ، ومنهم من قال: لا ينالون مني خيراً أبداً، فلما كان عام الفتح أُمِروا بالعفو والصفح عن أهاليهم، ونزلت هذه الآية فيهم. { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } فيه وجهان:

أحدهما: بلاء، قاله قتادة.

الثاني: محنة، ومنه قول الشاعر:

لقد فتن الناس في دينهم   وخلّىّ ابنُ عفان شرّاً طويلاً
وفي سبب افتتانه بهما وجهان:

أحدهما: لأنه يلهو بهما عن آخرته ويتوفر لأجلهما على دنياه.

الثاني: لأنه يشح لأجل أولاده فيمنع حق اللَّه من ماله، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الولد مبخلة محزنة مجبنة ".

{ والله عنده أجْرٌ عظيمٌ } قال أبو هريرة والحسن وقتادة وابن جبير: هي الجنة.

ويحتمل أن يكون المراد بذلك أن يكون أجرهم في الآخرة أعظم من منفعتهم بأموالهم وأولادهم في الدنيا، فلذلك كان أجره عظيماً.

{ فاتّقوا الله ما اسْتطعتم } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: يعني جهدكم، قاله أبو العالية.

الثاني: أن يطاع فلا يعصى، قاله مجاهد.

الثالث: أنه مستعمل فيما يرجونه به من نافلة أو صدقة، فإنه لما نزل قوله تعالى: { اتّقوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } اشتد على القوم فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم، فأنزل الله تعالى ذلك تخفيفاً { فاتقوا الله ما استطعتم } فنسخت الأولى، قاله ابن جبير.

ويحتمل إن لم يثبت هذا النقل أن المكْرَه على المعصية غير مؤاخذ بها لأنه لا يستطيع اتقاءها.

السابقالتالي
2