قوله عز وجل: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيهِ شَيْءٌ } فيمن نزل فيه ذلك قولان: أحدهما: أنه مسيلمة الكذاب، قاله عكرمة. والثاني: مسيلمة والعنسي، قاله قتادة. وقد روى معمر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ كَأَنَّ فِي يَديَّ سُوَارَينِ مِن ذَهبٍ، فَكَبُرَ عليَّ، فَأُوحِي إِلَيَّ أَنْ أَنْفُخَهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُ ذَلِكََ كَذَّابَ اليَمَامَةِ وَكَذَّابَ صَنْعَاءَ العَنَسِي ". { وَمَن قَالَ سَأُنزِلَ مِثْلَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ } فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: من تقدم ذكره من مدعي الوحي والنبوة. والثاني: أنه عبد الله بن سعد بن أبي سرح، قاله السدي، قال الفراء: كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال النبي: { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } كتب { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } و { عَزِيزٌ حَكِيمٌ } فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: " هُمَا سَوَاء " حتى أملى عليه { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِن طِينٍ } إلى قوله: { خَلْقاً أَخَرَ } فقال ابن أبي السرح: { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَْحْسَنُ الْخَالِقِينَ } تعجباً من تفصيل خلق الإِنسان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هَكَذَا نَزَلَتْ " فشك وارتد. والثالث: ما حكاه الحكم عن عكرمة: أنها نزلت في النضر بن الحارث، لأنه عارض القرآن، لأنه قال: والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً، والخابزات خبزاً، فاللاقمات لقماً. وفي قوله: { وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ } قولان: أحدهما: باسطوا أيديهم بالعذاب، قاله الحسن، والضحاك. والثاني: باسطو أيديهم لقبض الأرواح من الأجساد، قاله الفراء. ويحتمل ثالثاً: باسطوا أيديهم بصحائف الأعمال. { أَخْرِجُواْ أَنْفُسَكُمُ } فيه قولان: أحدهما: من أجسادكم عند معاينة الموت إرهاقاً لهم وتغليظاً عليهم، وإن كان إخراجها من فعل غيرهم. والثاني: أخرجوا أنفسكم من العذاب إن قدرتم، تقريعاً لهم وتوبيخاً بظلم أنفسهم، قاله الحسن. ويحتمل ثالثاً: أن يكون معناه خلصوا أنفسكم بالاحتجاج عنها فيما فعلتم. { الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } والهون بالضم الهوان، قاله ذو الأصبع العدواني:
أذهب إليك أمي براعية
ترعى المخاض ولا أغضي على الهون
وأما الهَوْن بالفتح فهو الرفق ومنه قوله تعالى: { الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوناً } يعني برفق وسكينة، قال الراجز:
هونكما لا يرد الدهر ما فاتا
لا تهلكن أسى في أثر من ماتا
قوله عز وجل: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } الفرادى الواحدان، ويحتمل وجهين: أحدهما: فرادى من الأعوان. والثاني: فرادى من الأموال. { وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَآءَ ظُهُورِكُمْ } يعني ما ملكناكم من الأموال، والتخويل تمليك المال، قال أبو النجم: