الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ } * { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }

قوله عز وجل: { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ } يعني من التكذيب. لك، والكفر بي.

{ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكّذَّبونَكَ } فيه أربعة أوجه:

أحدها: فإنهم لا يكذبونك بحجة، وإنما هو تكذيب بهت وعناد، فلا يحزنك، فإنه لا يضرك، قاله أبو صالح، وقتادة، والسدي.

والثاني: فإنهم لا يكذبون قولك لعلمهم بصدقك، ولكن يكذبون ما جئت به، قاله ناجية بن كعب.

والثالث: لا يكذبونك في السر لعلمهم بصدقك، ولكنهم يكذبونك في العلانية لعداوتهم لك، قاله الكلبي.

والرابع: معناه أن تكذيبهم لقولك ليس بتكذيب لك، لأنك رسول مُبَلّغ، وإنما هو تكذيب لآياتي الدالة على صدقك والموجبة لقبول قولك، وقد بين ذلك بقوله تعالى: { وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بئَأَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } أي يكذبون.

وقرأ نافع والكسائي: { لاَ يُكَذِّبُونَكَ } وهي قراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتأويلها: لا يجدونك كاذباً.

قوله عز وجل: {... وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ } يحتمل أربعة تأويلات:

أحدها: معناه لا مُبطِل لحُجَّتِهِ ولا دافع لبرهانه.

والثاني: معناه لا رَادَّ لأمره فيما قضاه من نصر أوليائه، وأوجبه من هلاك أعدائه.

والثالث: معناه لا تكذيب لخبره فيما حكاه من نصر مَنْ نُصِرَ وهلاك مَنْ أُهْلِكَ.

والرابع: معناه لا يشتبه ما تخرّصه الكاذبون عليه بما بلَّغه الأنبياء عنه.

{ وَلَقْدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِىْ الْمُرْسَلِينَ } فيما صبروا عليه من الأذى، وقُوبلوا عليه من النصر.

قوله عز وجل: { وَإِن كَانَ كَبُرَ إِعْرَاضُهُمْ } فيه قولان:

أحدهما: [إعراضهم] عن سماع القرآن.

والثاني: عن استماعك.

{ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ } أي سرباً، وهو المسلك فيها، مأخوذ من نافقاء اليربوع.

{ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَآءِ } فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: مصعداً، قاله السدي.

والثاني: دَرَجاً، قاله قتادة.

والثالث: سبباً، قاله الكلبي وقد تضمن ذلك قول كعب بن زهير.

ولا لَكُمَا مَنْجىً عَلَى الأرْضِ فَابْغِيَا   به نَفَقاً أوْ في السَّمَوَات سُلَّماً
{ فَتَأْتِيَهُم بئَايَةٍ } يعني أفضل من آيتك ولن تستطيع ذلك، لم يؤمنوا لك، فلا يحزنك تكذيبهم وكفرهم، قال الفراء: وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره: فتأتيهم بآية فافعل.

{ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى } يعني بالإلجاء والاضطرار.

قال ابن عباس: كل موضع قال الله فيه { ولو شاءَ اللهُ } فإنه لم يشأ.

{ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجَاهِلِينَ } يعني تجزع في مواطن الصبر، فتصير بالأسف والتحسر مقارباً لأحوال الجاهلين.

قوله عز وجل: { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ } الاستجابة هي القبول، والفرق بينها وبين الجواب: أن الجواب قد يكون قبولاً وغير قبول.

وقوله: { الَّذِينَ يَسْمَعُونَ } فيه تأويلان:

أحدهما: يعني الذين يعقلون، قاله الكلبي.

السابقالتالي
2