قوله عز وجل: { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } إنما خص مال اليتيم بالذكر وإن كان مال غيره في التحريم بمثابته، لأن الطمع فيه لقلة مراعيه أقوى، فكان بالذكر أولى. وفي قوله: { إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أربعة تأويلات: أحدها: حفظ ماله عليه إلى أن يكبر ليتسلمه، قاله الكلبي. والثاني: أن ذلك هو التجارة به، قاله مجاهد. والثالث: هو ألا يأخذ من الربح إذا اتجر له بالمال شيئاً، قاله الضحاك. والرابع: هو أن يأكل الولي بالمعروف من ماله إن افتقر، ويترك إن استغنى، ولا يتعدى من الأكل إلى الباس ولا غيره، قاله ابن زيد. ويحتمل خامساً: أن التي هي أحسن: حفظ أصوله وتثمير فروعه. ثم قال: { حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } والأشُد القوة والشباب. وفي حدها ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه الحلم حين تكتب له الحسنات وعليه السيئات، قاله ربيعة، وزيد بن أسلم، ومالك. والثاني: أن الأَشُد ثلاثون سنة، قاله السدي. والثالث: أن الأشد ثماني عشرة سنة، ذكره علي بن عيسى وفيه وجوه أُخَر نذكرها من بعد. ثم قال تعالى: { وَأَوْفُواْ الْكَيلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ } يعني بالعدل، أمر في مال البائع من تأدية بمثل ما أُمِر به في مال اليتيم. ثم قال: { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } يعني أنه لما كان العدل في الوزن والكيل مستحقاً، وكان تحديد أقل القليل متعذراً، كان ذلك عفواً، لأنه لا يدخل في الوسع فلم يكلفه. ثم قال: { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: إذا حكمتم فأنصفوا. الثاني: إذا شهدتم فاصدقوا. الثالث: إذا توسطتم فلا تميلوا. ثمَ قال: { وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ } فيه قولان: أحدهما: أن عهد الله كل ما أوجبه الإنسان على نفسه من نذر وغيره. الثاني: أنه الحلف بالله أن يلزم الوفاء به إلا في معصية. { ذَالِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ } فيه وجهان: أحدهما: أنه راجع إلى الذين هادوا وما أوصاهم به في التوراة. والثاني: أنه راجع إلى المسلمين وما وصاهم به في القرآن. قوله عز وجل: { وََأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ } فيه قولان: أحدهما: القرآن. والثاني: الشرع وسُمِّيَ ذلك صراطاً، والصراط هو الطريق لأنه يؤدي إلى الجنة فصار طريقاً إليها. { فَاتَّبِعُوهُ } يعني في العمل به. { وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ما تقدم من الكتب المنزلة نسخها بالقرآن، وهو محتمل. والثاني: ما تقدم من الأديان المتقدمة نسخها بالإسلام وهو محتمل. والثالث: البدع والشبهات. { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } يعني عن طريق دينه. ويحتمل وجهاً ثانياً: أن يكون سبيله نصرة دينه وجهاد أعدائه، فنهى عن التفرق وأمر بالأجتماع.