الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { وَمِنَ ٱلأَنْعَٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

قوله عز وجل: { وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْروشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ... } أما الجنات فهي البساتين يحفها الشجر، وأما الروضة فهي الخضراء بالنبات، وأما الزهرة فهي باختلاف الألوان الحسنة.

وفي قوله: { مَعْرُوشَاتٍ } أربعة أقاويل:

أحدها: أنه تعريش الناس الكروم وغيرها، بأن ترفع أغصانها، قاله ابن عباس، والسدي.

والثاني: أن تعريشها هو رفع حظارها وحيطانها.

والثالث: أنها المرتفعة عن الأرض لعلو شجرها، فلا يقع ثمرها على الأرض، لأن أصله الارتفاع ولذلك سُمِّيَ السرير عرشاً لارتفاعه، ومنه قوله تعالى:خاوية على عروشها } [الكهف: 42] و [الحج: 45] أي على أعاليها وما ارتفع منها.

والرابع: أن المعروشات ما عرشه الناس، وغير المعروشات ما نبت في البراري والجبال.

{ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } وإنما قدم ذكر الأكل لأمرين:

أحدهما: تسهيلاً لإيتاء حقه.

والثاني: تغليباً لحقهم وافتتاحاً بنفعهم بأموالهم.

وفي قوله: { وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } ثلاثة أقاويل:

أحدها: الصدقة المفروضة فيه: العُشْر فيما سقي بغير آلة، ونصف العشر فيما سقي بآلة، وهذا قول الجمهور.

والثاني: أنها صدقة غير الزكاة، مفروضة يوم الحصاد والصرام وهي إطعام من حضر وترك ما تساقط من الزرع والثمر، قاله عطاء ومجاهد.

والثالث: أن هذا كان مفروضاً قبل الزكاة ثم نسخ بها، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، وإبراهيم.

{ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } فيه خمسة أقاويل:

أحدها: أن هذا الإسراف المنهي عنه هو أن يتجاوز رب المال إخراج القدر المفروض عليه إلى زيادة تجحف به، قاله أبو العالية، وابن جريج.

وقد روى سعد بن سنان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا " وقيل: إنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وقد تصدق بجميع ثمرته حتى لم يبق فيها ما يأكله.

والثاني: هو أن يأخذ السلطان منه فوق الواجب عليه، قاله ابن زيد.

والثالث: هو أن يمنع رب المال من دفع القدر الواجب عليه، قاله سعيد بن والمسيب.

والرابع: أن المراد بهذا السرف ما كانوا يشركون آلهتهم فيه من الحرث والأنعام، قاله الكلبي.

والخامس: هو أن يسرف في الأكل منها قبل أن يؤدي زكاتها، قاله ابن بحر.

قوله عز وجل: { وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً } فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: أن الحمولة كبار الإبل التي يُحْمَلُ عليها، والفرش صغارها التي لا يحمل عليها، مأخوذ من افتراش الأرض بها على الاستواء كالفرش.

وقال ابن بحر الافتراش الإضجاع للنحر، فتكون الحمولة كبارها، والفرش صغارها، قال الراجز:


السابقالتالي
2