الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قوله عز وجل: { فَمَن يُرِِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ } فيه قولان:

أحدهما: يهديه إلى نيل الثواب واستحقاق الكرامة.

والثاني: يهديه إلى الدلائل المؤدية إلى الحق.

{ يَشْرَحْ صدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } يعني بشرح الصدر سعته لدخول الأسلام إيه وثبوته فيه كقوله تعالى:أَلَمْ نَشَرْحْ لَكَ صَدْرَك } [الشرح: 1].

روى عمرو بن مرة عن أبي جعفر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أكْيَس؟ قال: " أَكْثَرُهُم ذِكْراً لِلْمَوتِ وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْـتِعْدَاداً "

قال: وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية:قالوا: كيف يشرح صدره يا رسول الله؟ قال: " نُوْرٌ يُقْذَفُ فَيَنْشَرِحُ لَهُ وَيَنفَسِحُ " قالوا: فهل لذلك أمارة يُعْرَفُ بها؟ قال: " الإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الخُلُودِ وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الغُرورِ وَالاسْتِعْدَادِ لِلْمَوتِ قَبْلَ لِقَاءِ المَوتِ " وروى ابن مسعود مثل ذلك.

ثم قال: { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ } فيه قولان:

أحدهما: يضله عن الهداية إلى الحق.

والثاني: عن نيل الثواب واستحقاق الكرامة.

{ يَجْعَلُ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً } يعني ضيقاً لا يتسع لدخول الإسلام.

{ حَرَجاً } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يكون شديد الصلابة حتى لا يثبت فيه شيء.

والثاني: شديد الضيق حتى لا يدخله شيء.

والثالث: أن موضعه مُبْيَض.

{ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَآءِ } فيه أربعة أوجه:

أحدها: كأنه كُلِّف الصعود إلى السماء في امتناعه عليه وبعده منه.

والثاني: كأنه لا يجد مسلكاً لضيق المسالك عليه إلا صعوداً في السماء يعجز عنه.

والثالث: كأنه قلبه بالنبو عنه والنفور منه صاعداً إلى السماء.

والرابع: كأن قلبه يصعد إلى السماء بمشقته عليه وصعوبته عنده.

ثم قال تعالى: { كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } في الرجس خمسة تأويلات:

أحدها: أنه ما لا خير فيه، قاله مجاهد.

والثاني: أنه العذاب، قاله ابن زيد.

والثالث: السخط، قاله ابن بحر.

والرابع: انه الشيطان، قاله ابن عباس.

والخامس: أن الرجس والنجس واحد، وهو قول بعض نحويي الكوفة، وحكاه عَلِيُّ بن عيسى.

وقد روى قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل الخلاء قال: " اللهم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ وَالنَّجَسِ الهَبِيثِ الخَبِيثِ الشِّيْطَانِ الرَّجِيمِ ".