الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }

قوله عز وجل: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُواً } أي جعلنا للأنبياء أعداء كما جعلنا لغيرهم من الناس أعداء.

وفي { جَعَلْنَا } وجهان:

أحدهما: معناه حكمنا بأنهم أعداء.

والثاني: معناه تركناهم على العداوة، فلم نمنعهم منها.

وفي { شَيَاطِينَ الإْنسِ وَالْجِنِّ } ثلاثة أقاويل:

أحدها: يعني شياطين الإنس الذين مع الإنس، وشياطين الجن الذين مع الجن، قاله عكرمة، والسدي.

والثاني: شياطين الإنس كفارهم، وشياطين الجن كفارهم، قاله مجاهد.

والثالث: أن شياطين الإنس والجن مردتهم، قاله الحسن، وقتادة.

{ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ } في يوحي ثلاثة أوجه:

أحدها: يعني يوسوس بعضهم بعضاً.

والثاني: يشير بعضهم إلى بعض، فعبر عن الإشارة بالوحي كقوله:فَأَوْحَى إِلَيهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً } [مريم: 11] و { زُخْرُفَ الْقَوْلِ } ما زينوه لهم من الشبه في الكفر وارتكاب المعاصي.

والثالث: يأمر بعضهم بعضاً كقوله:وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا } [فصلت: 12] أي أمر.

ثم قال: { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } يحتمل وجهين:

أحدهما: ما فعلوه من الكفر.

والثاني: ما فعلوا من زخرف القول.

وفي تركهم على ذلك قولان:

أحدهما: ابتلاء لهم وتمييزاً للمؤمنين منهم.

والثاني: لا يلجئهم إلى الإيمان فيزول التكليف.

قوله عز وجل: { وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالأَخِرَةِ } أي تميل إليه قلوبهم، والإصغاء: الميل، قال الشاعر:

ترى السفيه به عن كل محكمة   زيغ وفيه إلى التشبيه إصغاء
وتقدير الكلام، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ليغروهم ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة، وقال قوم: بل هي لام أمر ومعناها الخبر.

{ وَلِيَرْضَوْهُ } لأن من مَالَ قلبه إلى شيء رضيه وإن لم يكن مرضياً.

{ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُمْ مُّقْتَرِفُونَ } فيه وجهان:

أحدهما: وليكتسبوا من الشرك والمعاصي ما هم مكتسبون، قاله جويبر.

والثاني: وليكذبوا على الله ورسوله ما هم كاذبون، وهو محتمل.