{.. وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رأْفَةً وَرَحْمَةً } يحتمل وجهين: أحدهما: أن الرأفة اللين، والرحمة الشفقة. الثاني: أن الرأفة تخفيف الكل، والرحمة تحمل الثقل. { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا } فيه قراءتان: إحداهما: بفتح الراء وهي الخوف من الرهب. الثانية: بضم الراء وهي منسوبة إلى الرهبان ومعناه أنهم ابتدعوا رهبانية ابتدؤوها. وسبب ذلك ما حكاه الضحاك: [أنهم] بعد عيسى ارتكبوا المحارم ثلاثمائة سنة فأنكرها عليهم من كان على منهاج عيسى فقتلوهم، فقال قوم بقوا بعدهم: نحن إذا نهيناهم قتلونا، فليس يسعنا المقام بينهم، فاعتزلوا النساء واتخذوا الصوامع، فكان هذا ما ابتدعوه من الرهبانية التي لم يفعلها من تقدمهم وإن كانوا فيها محسنين. { مَا كتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } أي لم تكتب عليهم وفيها ثلاثة أوجه: أحدها: أنها رفض النساء واتخاذ الصوامع، قاله قتادة. الثاني: أنها لحوقهم بالجبال ولزومهم البراري، وروي فيه خبر مرفوع. الثالث: أنها الانقطاع عن الناس والانفراد بالعبادة. وفي الرأفة والرحمة التي جعلها في قلوبهم وجهان: [الأول]: أنه جعلها في قلوبهم بالأمر بها والترغيب فيها. الثاني: جعلها بأن خلقها فيهم وقد مدحوا بالتعريض بها. { مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَآءَ رَضْوَانِ اللَّهِ } أي لم تكتب عليهم قبل ابتداعها ولا كتبت بعد ذلك عليهم. الثاني: أنهم تطوعوا بها بابتداعها، ثم كتبت بعد ذلك عليهم، قاله الحسن. { فَمَا رَعَوْهَا حِقَّ رِعَايَتِهَا } فيه وجهان: أحدهما: أنهم ما رعوها لتكذيبهم بمحمد. الثاني: بتبديل دينهم وتغييرهم فيه قبل مبعث الرسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله عطية العوفي.