الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } * { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } * { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } * { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } * { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ } * { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } * { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ }

قوله عز وجل: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } الوسوسة كثرة حديث النفس بما لا يتحصل في حفاء وإسرار، ومنه قول رؤبة:
وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق   ..........................
{ وَنَحْنُ أَقْرَبٌ إِلَيهِ مِن حَبْلِ الْوَرِيدِ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه حبل معلق به القلب، قاله الحسن. والأصم وهو الوتين.

الثاني: أنه عرق في الحلق، قاله أبو عبيدة.

الثالث: ما قاله ابن عباس، عرق العنق ويسمى حبل العاتق، وهما وريدان عن يمين وشمال، وسمي وريداً، لأنه العرق الذي ينصب إليه ما يرد من الرأس.

وفي قوله { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِن حَبْلِ الْوَرِيدِ } تأويلان:

أحدهما: ونحن أقرب إليه من حبل وريده الذي هو منه.

الثاني: ونحن أملك به من حبل وريده، مع استيلائه عليه.

ويحتمل ثالثاً: ونحن أعلم بما توسوس به نفسه من حبل وريده، الذي هو من نفسه، لأنه عرق يخالط القلب، فعلم الرب أقرب إليه من علم القلب.

قوله عز وجل: { إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ.. } الآية. قال الحسن ومجاهد وقتادة: المتلقيان ملكان يتلقيان عملك، أحدهما عن يمينك، يكتب حسناتك، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك.

قال الحسن: حتى إذا مت طويت صحيفة عملك وقيل لك يوم القيامة: { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك.

وفي { قَعِيدٌ } وجهان:

أحدهما: أنه القاعدة، قاله المفضل.

الثاني: المرصد الحافظ، قاله مجاهد. وهو مأخوذ من القعود.

قال الحسن: الحفظة أربعة: ملكان بالنهار وملكان بالليل.

قوله عز وجل: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ } أي ما يتكلم بشيء، مأخوذ من لفظ الطعام، وهو إخراجه من الفم.

{ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه المتتبع للأمور.

الثاني: أنه الحافظ، قاله السدي.

الثالث: أنه الشاهد، قاله الضحاك.

وفي { عَتِيدٌ } وجهان:

أحدهما: أنه الحاضر الذي لا يغيب.

الثاني: أنه الحافظ المعد إما للحفظ وإما للشهادة.

قوله عز وجل: { وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } يحتمل وجهين:

أحدهما: ما يراه عند المعاينة من ظهور الحق فيما كان الله قد أوعده.

الثاني: أن يكون الحق هو الموت، سمي حقاً، إما لاسحقاقه، وإما لانتقاله إلى دار الحق. فعلى هذا يكون في الكلام تقديم وتأخير. وتقديره: وجاءت سكرة الحق بالموت، ووجدتها في قراءة ابن مسعود كذلك.

{ ذلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } يحتمل وجهين:

أحدهما: أنه كان يحيد من الموت، فجاءه الموت.

الثاني: أنه يحيد من الحق، فجاءه الحق عند المعاينة.

وفي معنى التحيد وجهان:

أحدهما: أنه الفرار، قاله الضحاك.

(الثاني): العدول، قاله السدي. ومنه قول الشاعر:

ولقد قلت حين لم يك عنه   لي ولا للرجال عنه محيد
فروى عاصم بن أبي بهدلة، عن أبي وائل، أن عائشة قالت عند أبيها وهو يقضي:

السابقالتالي
2