الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَيَبْلَوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ } في قوله ليبلونكم تأويلان:

أحدهما: معناه لَيُكَلِّفَنَّكُمْ.

الثاني: لَيَخْتَبِرَنَّكُم، قاله قطرب، والكلبي.

وفي قوله: { مِّنَ الصَّيْدِ } قولان:

أحدهما: أن { مِّنَ } للتبعيض في هذا الموضع لأن الحكم متعلق بصيد البَرِّ دون البحر، وبصيد الحرم والإِحرام دون الحل والإِحلال.

والثاني: أن { مِّنَ } في هذا الموضع داخلة لبيان الجنس نحو قوله تعالى:اجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ } [الحج: 30] قاله الزجاج.

{ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } فيه تأويلان:

أحدهما: ما تناله أيدينا: البيض، ورماحنا: الصيد، قال مجاهد.

والثاني: ما تناله أيدينا: الصغار، ورماحنا: الكبار، قاله ابن عباس.

{ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ } فيه أربعة تأويلات:

أحدها: أن معنى ليعلم الله: ليرى، فعبر عن الرؤية بالعلم لأنها تؤول إليه، قاله الكلبي.

والثاني: ليعلم أولياؤه من يخافه بالغيب.

والثالث: لتعلموا أن الله يعلم من يخافه بالغيب.

والرابع: معناه لتخافوا الله بالغيب، والعلم مجاز، وقوله: { بِالْغَيْبِ } يعني بالسر كما تخافونه في العلانية.

{ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ } يعني فمن اعتدى في الصيد بعد ورود النهي.

{ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي مؤلم، قال الكلبي: نزلت يوم الحديبية وقد غشي الصيد الناس وهم محرمون.

قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: يعني الإِحرام بحج أو عمرة، قاله الأكثرون.

والثاني: يعني بالحرم الداخل إلى الحرم، يقال أحرم إذا دخل في الحرم، وأَتْهَمَ إذا دخل تهامة، وأَنْجَدَ إذا دخل نجد، ويقال أحرم لمن دخل في الأشهر الحرم. قاله بعض البصريين.

والثالث: أن اسم المحرم يتناول الأمرين معاً على وجه الحقيقة دون المجاز من أحرم بحج أو عمرة أو دخل الحرم، وحكم قتل الصيد فيهما على سواء بظاهر الآية، قاله علي بن أبي هريرة.

{ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً } فيه قولان:

أحدهما: متعمداً لقتله، ناسياً لإحرامه،قاله مجاهد، وإبراهيم، وابن جريج.

والثاني: متعمداً لقتله ذاكراً لإِحرامه، قاله ابن عباس، وعطاء، والزهري.

واختلفوا في الخاطىء في قتله الناسي لإِحرامه على قولين.

أحدهما: لا جزاء عليه، قاله داود.

الثاني: عليه الجزاء، قاله مالك، والشافعي، وأبو حنيفة.

{ فَجَزآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } يعني أن جزاء القتل فى الحرم أو الإِحرام مثل ما قتل من النعم.

وفي مثله قولان:

أحدهما: أن قيمة الصيد مصروفة في مثله من النعم، قاله أبو حنيفة.

والثاني: أن عليه مثل الصيد من النعم في الصورة والشبه قاله الشافعي.

{ يَحْكُمْ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ } يعني بالمثل من النعم، فلا يستقر المثل فيه إلا بحكم عدلين فقيهين، ويجوز أن يكون القاتل أحدهما.

السابقالتالي
2