الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله تعالى: { إِذْ قَالَ الْحوَارِيُّونَ يَا عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ } ، قرأ الكسائي وحده { هل تَّستطيع ربَّك } بالتاء والإِدغام، وربك بالنصب، وفيها وجهان:

أحدهما: معناه هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله، قاله الزجاج.

والثاني: هل تستطيع أن تسأل ربك، قاله مجاهد، وعائشة.

وقرأ الباقون { هل يستطيع ربك } بالياء والإِظهار، وفي ذلك التأويل ثلاثة أوجه:

أحدها: هل يقدر ربك، فكان هذا السؤال في ابتداء أمرهم قبل استحكام معرفتهم بالله تعالى.

والثاني: معناه هل يفعل ربك، قاله الحسن، لأنهم سموا بالحواريين بعد إيمانهم.

والثالث: معناه هل يستجيب لك ربك ويطيعك.

{ أَن يُنَزِّلَ عَلَينَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَآءِ } قاله السدي، قال قطرب: والمائدة لا تكون مائدة حتى يكون عليها طعام، فإن لم يكن قيل: خِوان، وفي تسميتها مائدة وجهان:

أحدهما: لأنها تميد ما عليها أي تعطي، قال رؤبة:

................................   إلى أمير المؤمنين الممتاد
أي المستعطي.

والثاني: لحركتها بما عليها من قولهم: مَادَ الشيء إذا مال وتحرك، قال الشاعر:

لعلك باك إن تغنت حمامة   يميد غصن من الأيك مائل
{ قَالَ اتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } فيه قولان:

أحدهما: يعني اتقوا معاصي الله إن كنتم مؤمنين به، وإنما أمرهم بذلك لأنه أولى من سؤالهم.

والثاني: يعني اتقوا الله فى سؤال الأنبياء إما طلباً لِعَنَتِهِم وإما استزادة للآيات منهم، إن كنتم مؤمنين بهم ومصدقين لهم لأن ما قامت به دلائل صدقهم يغنيكم عن استزادة الآيات منهم.

قوله تعالى: { قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا } وهذا اعتذار منهم بَيَّنُوا به سبب سؤالهم حين نهوا عنه فقالوا: { نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا }.

يحتمل وجهين:

أحدهما: أنهم أرادوا الأكل منها للحاجة الداعية إليها.

والثاني:أنهم أرادوه تبركاً بها لا لحاجة دعتهم إليها، وهذا أشبه لأنهم لو احتاجوا لم ينهوا عن السؤال.

{ وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا } يحتمل ثلاثة أوجه:

أحدها: تطمئن إلى أن الله تعالى قد بعثك إلينا نبياً.

والثاني: تطمئن إلى أن الله تعالى قد اختارنا لك أعواناً.

والثالث: تطمئن إلى أن الله قد أجابنا إلى ما سألنا.

{ وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا } في أنك نبي إلينا، وذلك على الوجه الأول.

وعلى الوجه الثاني: صدقتنا في أننا أعوان لك.

وعلى الوجه الثالث: أن الله قد أجابنا إلى ما سألنا.

وفي قولهم { وَنَعْلَمَ } وجهان:

أحدهما: أنه علم مستحدث لهم بهذه الآية بعد أن لم يكن، وهذا قول من زعم أن السؤال كان قبل استحكام المعرفة.

والثاني: أنهم استزادوا بذلك علماً إلى علمهم ويقيناً إلى يقينهم، وهذا قول من زعم أن السؤال كان بعد التصديق والمعرفة.

السابقالتالي
2 3