الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

قوله تعالى: { قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ } فيه ثلاث تأويلات:

أحدها: يعني الحلال والحرام، قاله الحسن.

والثاني: المؤمن والكافر، قاله السدي.

والثالث: الرديء والجيد.

{ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخبِيثِ } يعني أن الحلال والجيد مع قلتهما خير وأنفع من الحرام والرديء مع كثرتهما.

قال مقاتل: نزلت هذه الآية في حُجَّاجِ اليمامة وقد هَمَّ المسلمون بأحدهم.

قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } اختلف أهل التأويل في سبب نزول هذه الآية على ثلاثة أقوال:

أحدها: ما روى أنس بن مالك قال: سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ألحفوه بالمسألة، فصعد المنبر ذات يوم فقال: " لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيءٍ إِلاَّ بَيَّنْتُ لَكُمْ " قال أنس: فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فأرى كل الناس لاق ثوبه فى رأسه يبكي، فسأل رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه فقال: يا رسول الله مَنْ أبي؟ فقال: " أَبُوكَ حُذَافَةُ " فأنشأ عمر فقال: رضينا بالله رباً وبالإِسلام ديناً وبمحمد عليه السلام رسولاً عائذاً بالله من سوء الفتن، فأنزل الله تعالى: { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }.

والثاني: ما روى الحسن بن واقد عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أَيُّهَا النَّاسُ كَتبَ اللَّهُ عَلَيكُمُ الحَجَّ فَحِجُّوا " فقام محصن الأسدي وقال: في كل عام يا رسول الله؟ فقال: " أَمَا إِنِّي لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ ثُمَّ تَرَكْتُم لَضَلِلْتُمْ، اسْكَتُوا عَنِّي مَا سَكَتُّ عَنْكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبَْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ واخْتِلاَفِهِم عَلَى أَنْبِيائِهِمْ " فأنزل الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْأَلُوا... }.

والثالث: أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، قاله ابن عباس.

{ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرءَانُ تُبْدَ لَكُمْ } جعل نزول القرآن عند السؤال موجباً بتعجيل الجواب.

{ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا } فيها قولان:

أحدهما: عن المسألة.

والثاني: عن الأشياء التي سألوا عنها.

قوله تعالى: { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } فيه أربعة تأويلات:

أحدها: قوم عيسى سألوه المائدة، ثم كفروا بها، قاله ابن عباس.

والثاني: أنهم قوم صالح سألوا الناقة، ثم عقروها وكفروا به.

والثالث: أنهم قريش سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحوِّل لهم الصفا ذهباً،قاله السدي.

والرابع: أنهم القوم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ أبي؟ ونحوه، فلما أخبرهم به أنكروه وكفروا به، قاله بعض المتأخرين.