الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } * { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } * { وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً }

قوله تعالى: { وَءَاتُواْ اليَتَامَى أَمْوَالَهُم وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ } فيه أربعة تأويلات:

أحدها: الحرام بالحلال، وهو قول مجاهد.

والثاني: هو أن يجعل الزائف بدل الجيد، والمهزول بدل السمين ويقول درهم بدرهم، وشاة بشاة، وهو ابن المسيب والزهري والضحاك والسدي.

والثالث: هو استعجال أكل الحرام قبل إتيان الحلال، وهو معنى قول مجاهد.

والرابع: أن أهل الجاهلية كانواْ لا يورثون الصغار والنساء ويأخذه الرجل الأكبر، فكان يستبدل الخبيث بالطيب لأن نصيبه من الميراث طيب، وأخذه الكل خبيث، وهو قول ابن زيد.

{ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ } أي مع أموالكم، وهو أن يخلطوها بأموالهم لتصير في ذمتهم فيأكلوا ربحها.

{ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } والحُوب: الإثم، ومنه قولهم تحوّب فلانٌ من كذا، إذا توقى، قال الشاعر:

فإن مهاجرين تكنفاهُ   غداة إذٍ لقد خطئنا وحَابَا
قال الحسن البصري: لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى كرهوا أن يخالطوهم وجعل ولي اليتيم يعزل ماله عن ماله فشكواْ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى:وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُم فَإِخْوَانُكُم } [البقرة:220] أي فخالطوهم واتقوا إثمه.

{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَآءِ } فيه أربع تأويلات:

أحدها: يعني إن خفتم ألا تعدلواْ في نكاح اليتامى، فانكحوا ما حَلَّ لكم من غيرهن من النساء، وهو قول عائشة رضي الله عنها.

والثاني: أنهم كانواْ يخافون ألاّ يعدلوا في أموال اليتامى، ولا يخافون أن لا يعدلواْ في النساء، فأنزل الله تعالى هذه الآية، يريد كما خفتم ألاّ تعدلواْ في أموال اليتامى، فهكذا خافوا ألا تعدلوا في النساء، وهذا قول سعيد بن جبير، والسدي، وقتادة.

والثالث: أنهم كانوا يتوقَّون أموال اليتامى ولا يتوقَّون الزنى، فقال كما خفتم في أموال اليتامى، فخافواْ الزنى، وانحكوا ما طاب لكم من النساء، وهذا قول مجاهد.

والرابع: إن سبب نزولها، أن قريشاً في الجاهلية كانت تكثر التزويج بغير عدد محصور، فإذا كثر على الواحد منهم مؤن زوجاته، وقَلَّ مالُه، مدّ يده إلى ما عنده من أموال الأيتام، فأنزل الله تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَاءِ }.

وفي قوله تعالى: { مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَاءِ } قولان:

أحدهما: أن ذلك عائد إلى النساء وتقديره فانحكوا من النساء ما حلَّ. وهذا قول الفراء.

والثاني: أن ذلك عائد إلى النكاح وتقديره فانحكوا النساء نكاحاً طيباً. وهذا قول مجاهد.

{ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } تقديراً لعددهن وحصراً لمن أبيح نكاحه منهن وهذا قول عكرمة.

{ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } معدول به عن اثنين وثلاث وأربع، وكذلك أُحاد وموحد، وثناء ومثنى، وثلاث ومثلث، ورباع ومربع، وهو اسم للعدد معرفة، وقد جاء الشعر بمثل ذلك، قال تميم بن أبي مقبل:


السابقالتالي
2