الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً }

قوله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النَّسَآءِ } يعني أهل قيام على نساءهم، في تأديبهن، والأخذ على أيديهن، فيما أوجب الله لهم عليهن.

{ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } يعني في العقل والرأي.

{ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنْ أِمْوَالِهِمْ } يعني به الصداق والقيام بالكفاية. وقد روى جرير بن حازم عن الحسن أن سبب ذلك أن رجلاً من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص فنزلت:وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَي إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [طه: 114] ونزلت { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } ، وكان الزهري يقول: ليس بين الرجل وامرأته قصاص فيما دون النفس.

{ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ } يعني المستقيمات الدين العاملات بالخير، والقانتات يعني المطيعات لله ولأزواجهن.

{ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ } يعني حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن، ولما أوجبه الله من حقه عليهن.

{ بِمَا حَفِظَ اللهُ } فيه قولان:

أحدهما: يعني يحفظ الله لهن إذ صيّرهن كذلك، وهو قول عطاء.

والثاني: بما أوجبه الله على أزواجهن من مهورهن ونفقتهن حتى صرن بها محفوظات، وهذا قول الزجاج.

وقد روى ابن المبارك، سعيد بن أبي سعيد أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خَيْرُ النَّساءِ امْرَأَةً إِذا نَظَرْتَ إِلَيهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ في مالِهَا ونَفْسِهَا " قال ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ } إلى آخر الآية.

{ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } في { تَخَافُونَ } تأويلان:

أحدهما: أنه العلم، فعبر عنه بالخوف، كما قال الشاعر:

ولا تدفنيني بالفلاة فإنني   أخافُ إذا ما مِتُّ أن لا اذُوقَها
يعني فإنني أعْلَمُ والتأويل الثاني: أنه الظن، كما قال الشاعر.

أتاني عن نصر كلام يقوله   وما خفت يا سلامُ أنك عائبي
وهو أن يستر على نشوزها بما تبديه من سوء فعلها.

والنشوز: هو معصية الزوج والامتناع من طاعته بغضاً وكراهة - وأصل النشوز: الارتفاع، ومنه قيل للمكان المرتفع من الأرض نُشز، فسميت الممتنعة عن زوجها ناشزاً لبعدها منه وارتفاعها عنه.

{ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } أما وعظها فهو أن يأمرها بتقوى الله وطاعته، ويخوفها استحقاق الوعيد في معصيته وما أباحه الله تعالى من ضربها عند مخالفته، وفي المراد بقوله: { وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ } خمسة أقاويل:

أحدها: ألا يجامعها، وهو قول ابن عباس، وسعيد بن جبير.

والثاني: أن لا يكلمها ويوليها ظهره في المضجع، وهو قول الضحاك، والسدي. والثالث: أن يهجر فراشها ومضاجعتها وهو قول الضحاك، والسدي.

والرابع: يعني وقولوا لهن في المضاجع هُجراً، وهو الإغلاظ في القول، وهذا قول عكرمة، والحسن.

السابقالتالي
2