الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } * { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } * { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } * { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ }

قوله عز وجل: { وهل أتاك نبأ الخَصْم } والخصم يقع على الواحد والاثنين والجماعة لأن أصله المصدر.

{ إذ تسوروا المحراب } ومعنى تسوروا أنهم أتوه من أعلى سورة وفي المحراب أربعة أقاويل:

أحدها: أنه صدر المجلس، ومنه محراب المسجد، قاله أبو عبيدة.

الثاني: مجلس الأشراف الذي يتحارب عليه لشرف صاحبه، حكاه ابن عيسى.

الثالث: أنه المسجد، قاله يحيى بن سلام.

الرابع: أنه الغرفة لأنهم تسوروا عليه فيها.

{ إذ دخلوا على داود ففزع منهم } وسبب ذلك ما حكاه ابن عيسى: إن داود حدث نفسه إن ابتلي أن يعتصم، فقيل له إنك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك، فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه، فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون من الطير فجعل يدرج بين يديه، فهمّ أن يستدرجه بيده فاستدرج حتى وقع في كوة المحراب فدنا منه ليأخذه فانتفض فاطلع لينظره فأشرف على امرأة تغتسل فلما رأته غطت جسدها بشعرها، قال السدي فوقعت في قلبه، قال ابن عباس وكان زوجها غازياً في سبيل الله، قال مقاتل وهو أوريا بن حنان، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت، وكان حملة التابوت إما أن يفتح الله عليهم أو يقتلوا، فقدمه فيهم فقتل، فلما انقضت عدتها خطبها داود فاشترطت عليه إن ولدت غلاماً أن يكون الخليفة بعده، وكتبت عليه بذلك كتاباً وأشهدت عليه خمسين رجلاً من بني إسرائيل فلم يشعر بفتنتها حتى ولدت سليمان وشب وتسور عليه الملكان وكان من شأنهما ما قَصَّه الله في كتابه.

وفي فزعه منهما قولان:

أحدهما: لأنهم تسوروا عليه من غير باب.

الثاني: لأنهم أتوه في غير وقت جلوسه للنظر.

{ قالوا لا تخف خصمان بَغَى بعضنا على بعض } وكانا ملكين ولم يكونا خصمين ولا باغيين، ولا يأتي منهما كذب، وتقدير كلامها: ما تقول إن أتاك خصمان وقالا بغى بعضنا على بعض.

وثنى بعضهم هنا وجمعه في الأول حيث قال: { وهل أتاك نبأ الخصم } لأن جملتهم جمعت، وهم فريقان كل واحد منهما خصم.

{ فاحكم بيننا بالحق } أي بالعدل.

{ ولا تشطط } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: لا تملْ، قاله قتادة.

الثاني: لا تَجُر، قاله السدي.

الثالث: لا تسرف، قاله الأخفش.

وفي أصل الشطط قولان:

أحدهما: أن أصله البعد من قولهم شطط الدار إذا بعدت، قال الشاعر:

تشطط غداً دار جيراننا   والدار بعد غد أبعد
الثاني: الإفراط. قال الشاعر:

ألا يالقومي قد اشطّت عواذلي   وزعمن أن أودى بحقّي باطلي
{ واهدِنا إلى سواءِ الصراط } فيه وجهان:

أحدهما: أرشدنا إلى قصد الحق، قاله يحيى.

الثاني: إلى عدل القضاء، قاله السدي.

السابقالتالي
2 3