الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }

قوله عز وجل: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَنْا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } وفيه مضمر محذوف تقديره مختلف ألوانها وطعومها وروائحها، فاقتصر منها على ذكر اللون لأنه أظهرها { وَمِنَ الْجبَالَ جُدَدٌ } فيه وجهان:

أحدهما: أن الجدد القطع مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته، حكاه ابن بحر.

الثاني: أنها الخطط واحدتها جُدة مثل مُدة ومدد، ومنه قول زهير:

كأنه أسفع الخدين ذو جُدد   طاوٍ ويرتع بعد الصيف عريانا
{ بِيضُ وَحُمرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } والغربيب الشديد السواد الذي لونه كلون الغراب. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الشَّيخَ الْغِرْبِيبَ " يعني الذي يخضب بالسواد، قال امرؤ القيس:

العين طامعة واليد سابحة   والرجل لافحة والوجه غربيب
وقيل فيه تقديم وتأخير، وتقديره سود غرابيب.

وفي المراد بالغرابيب السود ثلاثة أوجه:

أحدها: الجبال السود، قاله السدي.

الثاني: الطرائف السود، قاله ابن عباس.

الثالث: الأودية السود، قاله قتادة.

{ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوآبِّ وَالأَنعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلَوَانُهُ كَذلِكَ } فيه وجهان:

أحدهما: كذلك مختلف ألوانه أبيض وأحمر وأسود.

الثاني: يعني بقوله كذلك أي كما اختلف ألوان الثمار والجبال والناس والدواب والأنعام كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية.

ثم استأنف فقال: { إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عَبَادِهِ الْعُلَمَآءُ } يعني بالعلماء الذين يخافون.

قال الربيع بن أنس: من لم يخش الله فليس بعالم. قال ابن مسعود: المتقون سادة، والعلماء قادة. وقيل: فاتحة الزبور الحكمة خشية الله.