قوله عز وجل: { وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } حكى الفراء فيه وجهين: أحدهما: حتى يؤذن له في الشفاعة. الثاني: حتى يؤذن له فيمن يشفع له، ووجدت الأول قول الكلبي والثاني قول مقاتل. { حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } فيه ستة تأويلات: أحدها: معناه خلي عن قلوبهم الفزع، قاله ابن عباس، وقال قطرب: أخرج ما فيها من الخوف. الثاني: كشف عن قلوبهم الغطاء يوم القيامة، قاله مجاهد. الثالث: أنهم الشياطين فزع عن قلوبهم ففارقوا ما كانوا عليه من إضلال أوليائهم، قاله ابن زيد. الرابع: أنهم دعوا فاستجابوا من قبورهم مأخوذ من الفزع الذي هو الدعاء والاستصراخ فسمي الداعي فزعاً والمجيب فزعاً، قال زهير:
إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم
طوال الرماح لا قصار ولا عُزْلُ
الخامس: أنهم الملائكة فزعوا عند سماع الوحي من الله تعالى لانقطاعه ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام، وكان لصوته صلصلة كوقع الحديد على الصفا، فخرُّوا عنده سجوداً مخافة القيامة فسألوا فقالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق أي الوحي، وهذا معنى قول كعب. السادس: وهو تأويل قراءة الحسن: حتى فرغ عن قلوبهم بالغين معجمة يعني فرغ ما فيها من الشك والشرك. { قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ } أي قال لهم الملائكة: ماذا قال ربكم في الدنيا. { قَالُواْ الْحَقَّ } يحتمل وجهين: أحدهما: أن يجدوا ما وصفوه عن الله تعالى حقاً. الثاني: أن يصدقوا بما قاله الله تعالى أنه حق. { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }.