قوله تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُسِهِم عِند رَبِّهمُ } أي عند محاسبة ربهم وفيه أربعة أوجه: أحدها: من الغم، قاله ابن عيسى. الثاني: من الذل، قاله ابن شجرة. الثالث: من الحياء،حكاه النقاش. الرابع: من الندم، قاله يحيى بن سلام. { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } فيه وجهان: أحدهما: أبصرنا صدق وعيدك وسمعنا تصديق رسلك، قاله ابن عيسى. الثاني: أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا، قال قتادة، أبصروا حين لم ينفعهم البصر وسمعوا حين لم ينفعهم السمع. { فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } أي ارجعنا إلى الدنيا نعمل فيها صالحاً. { إِنَّا مُوقِنُونَ } فيه وجهان: أحدهما: مصدقون بالبعث، قاله النقاش. الثاني: مصدقون بالذي أتي به محمد صلى الله عليه وسلم أنه حق، قاله يحيى بن سلام. قال سفيان: فأكذبهم الله فقال:{ وَلَو رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنهُ } [الأنعام: 28] الآية. قوله تعالى: { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍٍ هُدَاهَا } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: هدايتها للإيمان. الثاني: للجنة. الثالث: هدايتها في الرجوع إلى الدنيا لأنهم سألوا الرجعة ليؤمنوا. { وَلَكِنْ حَقَّ الْقَولُ مِنِّي } فيه وجهان: أحدهما: معناه سبق القول مني، قاله الكلبي ويحيى بن سلام. الثاني: وجب القول مني، قاله السدي كما قال كثير:
فإن تكن العتبى فأهلاً ومَرْحباً
وحقت لها العتبى لدنيا وقلّت
{ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِن الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } يعني من عصاه من الجنة والناس. وفي الجنة قولان: أحدهما: أنه الجن، قاله ابن كامل. الثاني: أنهم الملائكة، رواه السدي عن عكرمة، وهذا التأويل معلول لأن الملائكة لا يعصون الله فيعذبون. وسموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار ومنه قول زيد بن عمرو:
عزلت الجن والجنان عني
كذلك يفعل الجلد الصبور
قوله: { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } فيه وجهان: أحدهما: فذوقوا عذابي بما تركتم أمري، قال الضحاك. الثاني: فذوقوا العذاب بما تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم، قاله يحيى بن سلام. { إِنَّا نَسِينَاكُمْ } فيه وجهان: أحدهما: إنا تركناكم من الخير، قاله السدي. الثاني: إنا تركناكم في العذاب، قاله مجاهد. { وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ } وهو الدائم الذي لا انقطاع له. { بِمَ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يعني في الدنيا من المعاصي، وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوماً لإحساسها به كإحساسها بذوق الطعام، قال ابن أبي ربيعة: