الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُسِهِم عِند رَبِّهمُ } أي عند محاسبة ربهم وفيه أربعة أوجه:

أحدها: من الغم، قاله ابن عيسى.

الثاني: من الذل، قاله ابن شجرة.

الثالث: من الحياء،حكاه النقاش.

الرابع: من الندم، قاله يحيى بن سلام.

{ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } فيه وجهان:

أحدهما: أبصرنا صدق وعيدك وسمعنا تصديق رسلك، قاله ابن عيسى.

الثاني: أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا، قال قتادة، أبصروا حين لم ينفعهم البصر وسمعوا حين لم ينفعهم السمع.

{ فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } أي ارجعنا إلى الدنيا نعمل فيها صالحاً.

{ إِنَّا مُوقِنُونَ } فيه وجهان:

أحدهما: مصدقون بالبعث، قاله النقاش.

الثاني: مصدقون بالذي أتي به محمد صلى الله عليه وسلم أنه حق، قاله يحيى بن سلام.

قال سفيان: فأكذبهم الله فقال:وَلَو رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنهُ } [الأنعام: 28] الآية.

قوله تعالى: { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍٍ هُدَاهَا } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: هدايتها للإيمان.

الثاني: للجنة.

الثالث: هدايتها في الرجوع إلى الدنيا لأنهم سألوا الرجعة ليؤمنوا.

{ وَلَكِنْ حَقَّ الْقَولُ مِنِّي } فيه وجهان:

أحدهما: معناه سبق القول مني، قاله الكلبي ويحيى بن سلام.

الثاني: وجب القول مني، قاله السدي كما قال كثير:

فإن تكن العتبى فأهلاً ومَرْحباً   وحقت لها العتبى لدنيا وقلّت
{ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِن الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } يعني من عصاه من الجنة والناس. وفي الجنة قولان:

أحدهما: أنه الجن، قاله ابن كامل.

الثاني: أنهم الملائكة، رواه السدي عن عكرمة، وهذا التأويل معلول لأن الملائكة لا يعصون الله فيعذبون. وسموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار ومنه قول زيد بن عمرو:

عزلت الجن والجنان عني   كذلك يفعل الجلد الصبور
قوله: { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } فيه وجهان:

أحدهما: فذوقوا عذابي بما تركتم أمري، قال الضحاك.

الثاني: فذوقوا العذاب بما تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم، قاله يحيى بن سلام.

{ إِنَّا نَسِينَاكُمْ } فيه وجهان:

أحدهما: إنا تركناكم من الخير، قاله السدي.

الثاني: إنا تركناكم في العذاب، قاله مجاهد.

{ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ } وهو الدائم الذي لا انقطاع له.

{ بِمَ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يعني في الدنيا من المعاصي، وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوماً لإحساسها به كإحساسها بذوق الطعام، قال ابن أبي ربيعة:

فذُقْ هجرها إن كنت تزعم أنه   رشاد ألا يا رب ما كذب الزعم