الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَتِ ٱللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ }

قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ } يحتمل وجهين:

أحدهما: برحمة الله لكم في خلاصكم منه.

الثاني: بنعمة الله عليكم في فائدتكم منه.

{ لِيُرِيَكُم مِّنَ ءَايَاتِهِ } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: يعني جري السفن فيه، قاله يحيى بن سلام، وقال الحسن: مفتاح البحار السفن، ومفتاح الأرض الطرق، ومفتاح السماء الدعاء.

الثاني: ما تشاهدونه من قدرة الله فيه، قاله ابن شجرة.

الثالث: ما يرزقكم الله منه، قاله النقاش.

{ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } فيه وجهان:

أحدهما: صبَّار على البلوى شكور على النعماء.

الثاني: صبَّار على الطاعة شكور على الجزاء.

قال الشعبي: الصبر نصف الإيمان، والشكر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله، ألم تر إلى قوله: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } وإلى قوله: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُوقِنِينَ }.

قوله تعالى: { وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ } فيه وجهان:

أحدهما: كالسحاب، قاله قتادة.

الثاني: كالجبال، قاله الحسن ويحيى بن سلام.

وفي تشبيهه بالظل وجهان:

أحدهما: لسواده، قاله أبو عبيدة.

الثاني: لعظمه.

{ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } يعني موحدين له لا يدعون لخلاصهم سواه.

{ فَلَمَّا نَجَّاهُم إِلَى الْبَرِّ } يعني من البحر.

{ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: معناه عَدل في العهد، يفي في البر بما عاهَد الله عليه في البحر، قاله النقاش.

الثاني: أنه المؤمن المتمسك بالتوحيد والطاعة، قاله الحسن.

الثالث: أنه المقتصد في قوله وهو كافر، قاله مجاهد.

{ وَمَا يَجْحَدُ بِئَايَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } فيه وجهان:

أحدهما: أنه الجاحد، قاله عطية.

الثاني: وهو قول الجمهور أنه الغدار، قال عمرو بن معدي كرب:

فإنك لو رأيت أبا عمير   ملأت يديك من غدرٍ وختر
وجحد الآيات إنكار أعيانها والجحد بالآيات دلائلها.