الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } * { يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } * { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ }

قوله تعالى: { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ } وهذا مثل مضروب لمثقال حبة من خردل. قال قتادة: من خير أو شر.

{ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ } فيها قولان:

أحدهما: أنها الصخرة التي تحت الأرض السابعة قاله الرُبَيعُ بن أنس والسدي. قال عبد الله بن الحارث وهي صخرة على ظهر الحوت، قال الثوري: بلغنا أن خضرة السماء من تلك الصخرة، وقال ابن عباس هذه الصخرة ليست في السماء ولا في الأرض. وقيل إن هذه الصخرة هي سجِّين التي يكتب فيها أعمال الكفار ولا ترفع إلى السماء.

الثاني: معنى قوله في صخرة أي في جبل، قاله قتادة.

{ أَوْ فِي السَّمَواتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ } فيه وجهان:

أحدهما: بجزاء ما وازنها من خير أو شر.

الثاني: يعلمها الله فيأتي بها إذا شاء، كذلك قليل العمل من خير أو شر يعلمه الله فيجازي عليه.

{ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ } باستخراجها. { خَبِيرٌ } بمكانها، قاله الربيع بن أنس.

روى علي بن رباح اللخمي قال: لما وعظ لقمان ابنه بهذا أخذ حبة من خردلٍ فأتى بها البحر فألقاها في عرضه ثم مكث ما شاء ثم ذكرها وبسط يده فبعث الله ذبابة فاختطفتها وحملتها حتى وضعتها في يده.

قوله تعالى: { وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ } يحتمل وجهين:

أحدهما: على ما أصابك من الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الثاني: على ما أصابك من البلوى في نفسك أو مالك.

{ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: ما أمر الله به من الأمور.

الثاني: من ضبط الأمور، قاله المفضل.

الثالث: من قطع الأمور.

وفي العزم والحزم وجهان:

أحدهما: أن معناهما واحد وإن اختلف لفظهما.

الثاني: معناهما مختلف وفي اختلافهما وجهان:

أحدهما: أن الحزم الحذر والعزم القوة، ومنه المثل: لا خير في عزم بغير حزم.

الثاني: أن الحزم التأهب للأمر والعزم النفاذ فيه، ومنه قولهم في بعض الأمثال: رَوِّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم.

قوله تعالى: { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ونافع.

{ تُصَاعِر } بألف، وتصاعر تفاعل من الصعر وفيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه الكبر، قاله ابن عباس.

الثاني: الميل، قاله المفضل.

الثالث: التشدق في الكلام، حكاه اليزيدي، وتُصِّعرْ هو على معنى المبالغة.

وفي معنى الآية خمسة أوجه:

أحدها: أنه إعراض الوجه عن الناس تكبراً، قاله ابن جبير.

الثاني: هوالتشدق، قاله إبراهيم النخعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الثالث: أن يلوي شدقه عند ذكر الإنسان احتقاراً، قاله أبو الجوزاء، قال عمرو بن كلثوم.

وكنا إذا الجبّارُ صعر خَدّه   أقمنا له من صعره فتقوّما
الرابع: هو أن يعرض عمن بينه وبينه إحنة هجراً له فكأنه أمر بالصفح والعفو، قاله الربيع بن أنس.

السابقالتالي
2