الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }

قوله تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: قصدك.

الثاني: دينك، قاله الضحاك.

الثالث: عملك، قاله الكلبي.

{ لِلدِّينِ حَنِيفاً } فيه ستة تأويلات:

أحدها: مسلماً، وهذا قول الضحاك.

والثاني: مخلصاً، وهذا قول خصيف.

الثالث: متبعاً، قاله مجاهد.

الرابع: مستقيماً، قاله محمد بن كعب.

الخامس: حاجّاً، قاله ابن عباس.

السادس: مؤمناً بالرسل كلهم، قاله أبو قلابة.

{ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } فيها تأويلان:

أحدهما: صنعة الله التي خلق الناس عليها، قاله الطبري.

الثاني: دين الله الذي فطر خلقه عليه، قاله ابن عباس والضحاك والكلبي يريد به الإسلام وقد روى عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مِن فِطْرةِ إِبْرَاهِيمَ السُّوَاكُ " ومن قول كعب بن مالك:

إن تقتولنا فدين الله فطرتنا   والقتل في الحق عند الله تفضيل
{ لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها: لا تبديل لدين الله، قاله مجاهد وقتادة.

الثاني: لا تغيير لخلق الله من البهائم أن يخصي فحولها، قاله عمر بن الخطاب وابن عباس وعكرمة.

الثالث: لا تبديل خالق غير الله فيخلق كخلق الله، لأنه خالق يخلق، وغيره مخلوق لا يخلق، وهو معنى قول ابن بحر.

ويحتمل رابعاً، لا يشقى من خلقه سعيداً ولا يسعد من خلقه شقيّاً.

{ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } فيه تأويلان:

أحدهما: ذلك الحساب البين، قاله مقاتل بن حيان.

الثاني: ذلك القضاء المستقيم، قاله ابن عباس.

{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا يتفكرون فيعلمون أن لهم خالقاً معبوداً وإلهاً قديماً:

قوله: { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ } فيه أربعة تأويلات:

أحدها: مقبلين إليه، قاله يحيى بن سلام والفراء.

الثاني: داعين إليه، قاله عبيد بن يعلى.

الثالث: مطيعين له، قاله عبد الرحمن بن زيد.

الرابع: تائبين إليه من الذنوب، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت:

فإن تابوا فإن بني سليم   وقومهم هوازن قد أنابوا
وفي أصل الإنابة قولان:

أحدهما: أن أصله القطع ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع فكأن الإنابة هي الانقطاع إلى الله عز وجل بالطاعة.

الثاني: أن أصله الرجوع مأخوذ من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد مرة ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة.

قوله تعالى: { مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ } أي أوقعوا فيه الاختلاف حتى صاروا فرقاً وقرىء { فَارَقُواْ دِينَهُم } أي تركوه وقد قرأ بذلك علي رضي الله عنه وهي قراءة حمزة والكسائي وفيهم أربعة أقاويل:

أحدها: أنهم اليهود، قاله قتادة.

الثاني: أنهم اليهود والنصارى، قاله معمر.

الثالث: أنهم الخوارج من هذه الأمة، وهذا قول أبي هريرة ورواه أبو أمامة مرفوعاً.

الرابع: أنهم أصحاب الأهواء والبدع، روته عائشة مرفوعاً.

{ وَكَانُواْ شِيَعاً } فيه وجهان:

أحدهما: فرقاً، قاله الكلبي.

الثاني: أدياناً، قاله مقاتل.

ويحتمل ثالثاً: أنهم أنصار الأنبياء وأتباعهم.

{ كُلُّ حِزْبٍ } أي فرقة.

{ بِمَا لَدَيْهِمْ فِرِحُونَ } أي بما عندهم من الضلالة.

{ فَرِحُونَ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: مسرورون، قاله الجمهور.

الثاني: معجبون، قاله ابن زيد.

الثالث: متمسكون، قاله مجاهد.